القرآن الكريم

كيف نتعامل مع نعم الله الكثيرة والمتعددة؟.

برنامج رجال الله

السيد حسين بدر الدين الحوثي

معرفة الله نعم الله الدرس الخامس صـ1ـ2.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

في الدرس السابق عرفنا من جملة آيات: أن الله سبحانه وتعالى يطلب من عباده، أو يأمر عباده أن يذكروا نعمه، يرشدهم إلى أن يتذكروا نعمه، فهو قد عدد كثيراً من نعمه عليهم، وهو أيضاً قد أرشدهم إلى قيمة كثير منها، في أثرها في حياتهم، وبين حاجتهم الماسة إليها.

وفي نفس الوقت هو سبحانه وتعالى ذكَّر بأسلوب آخر أولئك الذين يرون أن كل ما في أيديهم، ينظرون إليه كنظرة قارون عندما قال:{إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}(القصص: من الآية78) عندما قال له بعض قومه:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ}(القصص: من الآية77) كان جوابه: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} أنا ذكي وشاطر، وعندي خبرة في البيع والشراء، وعندي خبرة في الزراعة، وعندي خبرة في كذا، فهذا هو نتاج شطارتي، ونتاج حنكتي وذكائي. هكذا ينظر الناس ـ أو ربما أكثر الناس ـ ينظرون إلى ما بين أيديهم.

ففي [سورة الواقعة] بأسلوب آخر يقول لأولئك الذين ينظرون هذه النظرة إلى ما بين أيديهم: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} (الواقعة:63) هذه الأموال التي تحرثونها، هذه الأموال التي تجنون منها مختلف الثمار، فتحصلون من ورائها على أموال كثيرة، هذه الأرض التي تحرثونها، وهذا الزرع الذي ينبت بعد حرثكم {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} (الواقعة:64)  ما هذا سؤال؟ نقول لك: تذكر النعم العظيمة عليك، تذكر، إذا أنت لم تتذكر فسنذكرك نحن، فيأتي على هذا النحو من الاستفهام {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} كيف سيكون جواب كل واحد منا؟ الله هو الزارع.. إذاً هذه واحدة.

الزراعة تشمل مختلف الأصناف التي بين أيدي الناس سواء زراعة الزرع، زراعة القات، زراعة البن، زراعة الفواكه، زراعة الحبوب، تسمى كلها زراعة، بعد أن تعترف أنت بأن الله هو الزارع، الله هو الذي خلق هذه الأرض التي تحرثها، هو الذي خلق لك هذه الآلة التي تحرث عليها، أو هذا الحيوان الذي تحرث عليه، هو الذي خلق لك تلك الأيدي التي تقبض بها المحراث، أو تقبض بها عجلة القيادة في الحرَّاثة.

والأعين التي تبصر بها.. أليست من الله؟.. هل يستطيع الأعمى أن يحرث؟ لا يستطيع، لو تعطيه أرضاً واسعة جداً وتقول له: هذه لك وتحرثها أنت ما يستطيع يحرثها، أرضية كبيرة تعطيه، أرضية صالحة للزراعة وتقول له: لكن نريد أنت الذي تكون تحرثها أنت بيدك، حتى لو كان صحيح الجسم لكن فاقد البصر هل يستطيع؟.

ثم هذه التربة التي تحرث فيها، هل هي سواء هي والرماد، أو الدقيق أو أي شيء آخر؟ من الذي أودع فيها هذه الخاصية، فجعلها قابلة للإنبات؟ أليس هو الله سبحانه وتعالى.

لاحظ مساحة الأسئلة كثيرة داخل هذه الآية:{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} داخلها أسئلة كثيرة جداً، بدءاً من الأرض وانتهاء بالثمرة التي تجنيها، داخلها أسئلة كثيرة.

فإذا كنت معترفاً بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي زرع، هو الذي أنبت {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى}(الأنعام: من الآية95)  أنت فقط تلقي الحَبَّ في باطن التربة، من الذي يفلق الحب والنوى؟ هو الله {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} إذاً فهو الزارع، أليس كذلك؟.

فإذا كنت معترفاً بأن هذه الأرض منه والقوة التي أنا عليها أتمكن بها من الزراعة، من الحراثة هي منه، وهذا الزرع هو الذي فلق حبّه ونواه، هو الذي أنبت هذه الأشجار التي نجني منها الأموال الكثيرة.

فما هو الموقف الصحيح بالنسبة لي منه تعالى أمام ما أعطاني، ما هو الموقف الصحيح؟ هل أرضى لنفسي أن أكون ممن قال الله عنهم:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}(إبراهيم: من الآية34)؟.

أخرج من طرف السوق بعد ما بعت من [قاتي]، أو [بنِّي]، أو أي محصول زراعي بكمية كبيرة من المال، أخرج من طرف [الجِربة] وأنا محمَّل بما جنيته من تلك الأشجار التي زرعها الله سبحانه وتعالى، وأنا مدبر عن الله، ظلوم كفار، هل هذه من الناحية الإنسانية تليق بالإنسان؟ هل يليق بك أن تولي بوجهك عن الله, وتصم آذانك عن الله، وتعرض عن الله، فتكون ظلوماً كفاراًَ، هل ترضى؟ هل هذا هو ما يمليه عليك ضميرك؟.

أليس هذا من الجفاء؟ أليس هذا من السوء؟ أليس هذا من الحماقة؟ أليس هذا من الكفر؟ أم أن الذي ينبغي لك بعد أن تكون قد أجبت الإجابة الصحيحة على قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} فقلت: بل أنت يا الله أنت الزارع، فانطلقت أنت لتقدِّر نعمته العظيمة عليك، وتعترف بإحسانه الكبير إليك، فيخشع قلبك، ويمتلأ قلبك حباً له سبحانه وتعالى، وتشعر كم أنت مدين له بإحسانه العظيم إليك، فتكون نفسك منكسرة أمامه سبحانه وتعالى، منشدة نحوه إنشداداً عاطفياً، وانشداد من يشعر بعظم وقع الإحسان عليه؟.

أيُّ الموقفين هو الأليق بالإنسان من هذين؟ أليس هو الموقف الثاني؟ لأننا إذا وقفنا الموقف الأول، موقف الظلوم الكفار، بعد أن كنا قد شهدنا على أنفسنا وأقرّيّنا في إجابتنا على هذا التساؤل الإلهي، فقلنا: بل أنت يا الله، أنت الزارع، أليست هذه جريمة كبيرة؟ أعترف وأشهد وأقر بأنك أنت الزارع، ثم أتعامل معك معاملة الظلوم الكفار؟. أليست هذه جريمة كبيرة؟ جريمة كبيرة فعلاً.

{أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ}(الواقعة: من الآية65) حتى تتأكدوا بأنه نحن الزارعون،{لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ حُطَاماً} ضربة تأتي له أو عاصف أو تنعدم الأمطار، فتسقط الأوراق، وتذبل الغصون، وتجف السيقان فيتحول إلى حطام.

{فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}(الواقعة: من الآية65) تتعجبون من سوء حاله، كيف أصبحت مزرعتي بعد أن كانت خضراء ومنظرها جميلاً، أصبحت هكذا منظراً موحشاً، أصبحت حطاماً!.

هل كل واحد منا يعترف بأن الله يستطيع فعل هذا؟ إذاً هذا إقرار آخر، إذاً فهو الذي رعى هذه الشجرة حتى استطعت أن تحصل منها على هذا المحصول الكبير، هو الذي رعى هذه الأشجار حتى جنيت أنت ثمارها. أم تظن أنه الغاز والبودرة وهذه الكيماويات هي نفسها التي أعطته الرعاية؟. هي أيضاً مما خلقه الله سبحانه وتعالى، وفي نفس الوقت تذكَّر أنه {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً}.

ولاحظ.. عندما يكون الوقت مجدباً لا يوجد أمطار، والماء قليل حتى وصل الناس إلى درجة أن كل واحد احتفظ بما لديه من ماء لبيته وحاجته، والقات أو البنّ أو أي أنواع الأشجار التي لها أهمية كبيرة في حياة الناس قد أصبحت ظامئة، أصبحت جافة، هل هو وقت البودرة والغاز؟ هل سينفع؟ لا تعد تنفع. إذاً {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} تذهب تغزّ بالمكينة وتضخ بالكيماويات، فلا يطلِّع شيئاً، أعواد جافة.

لكن من أين ترسخ في أنفسنا ـ ونحن نتقلب في أموالنا ـ أن هذه هي لنا ونحن من نقوم بالعمل فيها، نحن من غرسنا أشجارها، ونحن من نجني ثمارها، ونحن.. ونحن.. إلى آخره.. مع نسياننا لله سبحانه وتعالى. من أين ترسخ؟.لأننا لم نروض أنفسنا على أن نتذكر دائماَ نعم الله العظيمة علينا، وأن نتذكر قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}(النحل: من الآية53) {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}(النحل: من الآية18) ترسخت هذه الحالة أو المفاهيم المغلوطة السيئة فنتج عنه حالات سيئة لدينا في أنفسنا جعلت كل واحد منا يتحول إلى أن يصبح ظلوماً كفاراً، فما الذي يبعدك عن أن تكون من الظالمين الكافرين بنعم الله سبحانه وتعالى؟. هو أن تتذكر.

إذا كنت أنت لا تتذكر تلقائياً فأجب على هذه الأسئلة التي ذكرك الله فيها؟.{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} والذي أنت بالطبع لا تستطيع أن تقول: نحن. من الذي يستطيع أن يقول: نحن؟ لا يستطيع أحد، ما من أحد ـ ربما ـ يستطيع أن يقول نحن إلا وهو يتوقع عقوبة من الله لأشجاره، لزراعته، لو يقول: نحن. فكل واحد مقر في نفسه أن الله هو الزارع.

إذاً فتذكر سواء بالأسلوب الأول، أسلوب تعداد النعم، أو عن طريق الإجابة على هذه الأسئلة التي وجهت إليك وإلى أمثالك من بني آدم.

 

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com