القرآن الكريم

البرنامج اليومي (الموت هو الخطوة الأولى للرجوع إلى الله في العالم الآخر).

برنامج رجال الله اليومي.

معرفة الله وعده ووعيده الدرس الثاني عشر صـ7ـ8.

السيد حسين بدر الدين الحوثي.

هكذا يتنكر الإنسان لله الذي أحسن كل شيء خلقه والذي بدأ خلق الإنسان من طين، والذي خلقه ونقله في أطوار خلقه من حالة إلى حالة، ثم يتنكر لله ويكفر بكل تشريعاته، ويبعد نفسه عن كل هدايته.

فالذي خلق الإنسان في هذه الدنيا، وخلق هذه الدنيا، وخلق هذا العالم بكله له غاية، وله نهاية، وللناس جميعا يوم يرجعون فيه إلى الله.

لكن هذا الإنسان الجاهل الذي لم يعلم هذا التدبير الواسع من قبل الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض، وتدبير شؤونهما الواسعة التي تدل على قدرته العظيمة، حكمته العظيمة، علمه الواسع.

الله الذي بدأ خلق الإنسان من طين يقول هو فيما بعد: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}(السجدة: من الآية10) إذا متنا وأصبحنا ترابا وضعنا في الأرض وتلاشينا أإنا لفي خلق جديد؟ بعيد أن نبعث من جديد.. كيف يمكن؟ ألم يقل لك: ألم تعلم أنت أن الله بدأ خلقك من طين وأنه خلقك وخلق أولادك.. أليس الإنسان يعلم أن أولاده مخلوقون من ماء مهين؟.. هو يعلم.. {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ}(السجدة:10).

المسألة ليست مسألة غامضة، أو أن الأدلة عليها ليست كافية، فيكون هذا التساؤل وجيها نوعا ما، إنه جحود إنه كفر إنه كلام الذي لا يريد أن يصدق بالقضية، لا يريد أن يؤمن بها، هو رافض لها، لا يريد لا أن يقبل الإيمان بها، وإلا فهي واضحة جدا، أدلتها فوق الكفاية، أدلتها تدمغ، تدمغ كل مدارك الإنسان ومشاعره ووجدانه.

الذي {بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} ألا يستطيع أن يعيد خلقه من جديد؟ بلى.. يستطيع أن يعيده من جديد. {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ}أليس قولهم: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أليس كفرا؟ لأنه استبعاد هنا، ليس استفهام، ليس سؤالاً.. هل نحن سنبعث من جديد؟ هذا سؤال يمكن أن يجيب عليه، يجيب عليه القرآن يجيب عليه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ممكن أن يجيب عليه، لكنهم تلفظوا به بشكل استغراب واستنكار واستبعاد.. {أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}!!.. بعيد لا يمكن.

أي: أنهم لا يريدون أن يؤمنوا لا أن القضية هذه لا براهين عليها كافية لا أدلة عليها دامغة، هذه حالة تحصل عند الناس في ذلك الزمان بما يتعلق بالبعث، وتحصل عند كثير منا نحن المسلمون في قضايا متعددة.

مثلا.. [كيف يأمرنا الله باتباعهم وهم ناس مثلنا.. ما هو الفرق بيننا وبينهم]؟.. أليس هكذا يقال؟ استفهام على هذا النحو؟. بل أنت في واقعك لا تريد أن تؤمن بالقضية لا أن الأدلة عليها ليست كافية. بل أنت لا تريد أن تؤمن بهذه القضية، أنت رافض لها {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} أنت بالإيمان بهذه القضية لا تريد أن تقبله، لا تريد أن يتسرب إلى أعماق نفسك، وهذه هي من الحالات الخطيرة عند الإنسان، الحالات الخطيرة أن يحدد موقفا مسبقا لديه، يجعله معاندا متمردا، يدفع كل شيء مهما كانت أدلته واضحة وقوية وجلية.

هذه توجهنا نحن إلى أن يكون الإنسان في واقعه منفتحاً على هداية الله، ومسلما نفسه لله أن يتقبل منه، وسترى كل شيء أمامك، سترى أدلته كافية وفوق الكافية، في كل شأن من شؤون الدين، في كل شأن من شؤون الدين.. متى ما آمنت بهذه. لكن إذا اتخذت هذا الموقف المسبق كما اتخذه هؤلاء {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} فهم يصرحون برفضهم لكن بأسلوب آخر، بأسلوب الاستبعاد وكأن القضية لا دليل عليها، هو نفس الأسلوب الذي يقوله شخص.. [كيف يأمرنا الله باتباع أشخاص مثلنا نراهم مثلنا، ما بيننا نحن وإياهم فرق].. أليس هكذا تحصل عبارة كيف. نفس الاستفهام. أنا رافض لا أريد أن أؤمن بهذه القضية ولا أرغب أن أتقبلها، فأقدم رفضي لها بصيغة استبعاد بالشكل الذي يوحي بأنه لا دليل عليها.

أدلة البعث أليست كثيرة جدا؟! كثيرة جداً جداً في القرآن الكريم منها هذه: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ}(السجدة: من الآية7- 9) أليست هذه أدلة على أن من خلق هذه قادر على بعث عباده يوم القيامة؟ إنها لكافية.

لكن انظر ماذا قالوا في مقابل تلك الأدلة الدامغة لما كان واقعهم أنهم كافرون من الأساس. أي رافضون لا يريدون أن يؤمنوا بها {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} هكذا يقول الإنسان الكافر في نفسه، الرافض في نفسه أمام أي قضية من القضايا مهما كانت جلية، مهما كانت واضحة. هكذا يقول لكنه لا ينفعه هذا القول، أنظر ماذا قال بعد؟ مما يؤكد لنا ما قلناه أنهم عندما قالوا: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} إنهم يستبعدون ذلك لكن ليس استبعاد من لا يعرف الأدلة أو استبعاد قضية باعتبار أنه لا أدلة عليها، إنما استبعاد من هو جاحد ورافض في نفسه.

{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ}(السجدة: من الآية11) قل لهؤلاء: هناك بعث لا بد منه، وبعث هذه تفاصيله أمامكم وهذه بدايته، أنتم حتى هذا الموت الذي ترونه يوميا لبعضكم بعض ليس شيئا تلقائياً أو شأناً يأتي مصادفة من شؤون الحياة، إنه هو قضية موكلة إلى طرف آخر من عبادنا {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ}(السجدة: من الآية11) لتعرفوا أنكم ستبعثون رغما عنكم، أن بداية الرجوع إلى الله ستكون من متى؟ من الموت، الموت هو بداية الرجوع إلى الله، فقل لهم: إنهم سيساقون إلى الله رغماً عنهم، وأنه من أول حادثة ومن أول خطوة يساقون بها إلى الله هي خطوة نحن نتبناها، ملك موكل من عندنا يتوفاكم؛ لتعرفوا بأن جحودكم هذا لا يمكن أن يغني عنكم شيئا.

وهكذا الحق الذي تحاول أن تتهرب منه تهربك منه لا يعفيك عن المسؤولية أمامه، تهربك منه لا يعفيك عن آثاره، لا يعفيك عن آثار تهربك منه كعاصي ترتكب جريمة في تهربك منه. عندما أرفض هل أرى نفسي بأنني أبعدت هذه القضية وكل آثارها عنّي؟ لا. إن البعث حق، ولا بد منه وإذا كنتم هكذا تقولون بسخرية واستبعاد، وإذا كنتم في الواقع إنما تنطلقون من واقع الكفر في أنفسكم فإنها قضية لا بد أن تقع، لا بد أن تحدث عليكم أنتم شخصيا، وهكذا هي مقدماتها من الموت {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (السجدة:11) الموت هو الخطوة الأولى في الرجوع إلى الله في العالم الآخر.

والموت نحن نجده هنا في القرآن الكريم وبمناسبة ذكره هنا ليس من الوسائل التي يأتي التخويف بها للناس، ليس من وسائل التخويف إطلاقا داخل القرآن الكريم؛ ولهذا لا تجد الحديث عن الموت إلا خاطفا وبسرعة ينتقل إلى اليوم الآخر؛ لأنه اليوم الشديد الأهوال، هو ما يجب أن تخافه، هو ما يكون الحديث عنه هو الذي يصنع الخوف في النفوس، هو الذي يملأ القلوب خوفا ورعبا، أما الموت نفسه إنما هو الخطوة الأولى، وهو قضية عادية، قضية عادية، هو بداية الرجوع إلى الله.

ليس هو في حد ذاته ما يجب أن يخيف باعتباره حدثا، ليكن خوفك هو من الرجوع إلى الله إلى اليوم الآخر، في اليوم الآخر يوم القيامة. ألم يأت الكلام عن اليوم الآخر في القرآن مكرر جدا؟.. بعض السور تكون من أولها إلى آخرها عن التخويف باليوم الآخر، هل ورد تخويف بالموت داخل القرآن الكريم؟. لم يرد.

ليعرف أولئك الذين يتحدثون مع الناس ويرشدون الناس أنهم كم يغلطون، كم يرتكبون من خطأ جسيم عندما يتحدثون مع الناس عن تخويفهم بالموت نفسه، ثم يذكرون لهم أهوال القبر وعذاب القبر وكلاما في النعش وكلاما طويلا, طويلا عريضا كله يحول الموت إلى شبح مخيف. أن هذا أسلوب يترك أثرا سيئا جداً جداً يتخالف مع منهجية القرآن، ويخالف ما يريد القرآن منا.

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com