القرآن الكريم

البرنامج اليومي (يجب أن نبصر ونسمع في الدنيا أمام الأخطار المحدقة بنا وبديننا).

برنامج رجال الله اليومي.

معرفة الله وعده ووعيده الدرس الثاني عشر صـ13ـ14.

السيد حسين بدر الدين الحوثي.

{فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً} قد عملتم في الدنيا دساتير وقوانين، وكنتم تقولون: بأنها هي العمل الصالح، وتلزمون الآخرين بها، ولا تتحدثون عن شرع الله ولا دينه ولا كتابه. ألم تدعوا لأنفسكم بأنكم كنتم وحدكم الذين تعملون أصلح الأعمال، سيتجلى هناك يوم القيامة، كما تجلى في الدنيا أيضا أن العمل الصالح هو السير على هدي الله، في كل مناحي الحياة، في كل شؤون الحياة، في جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وفي كل المجالات التي أصبحت الآن عبارات تردد معروفة، ألم نسمع عبارة [في كل المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية؟] أليست هذه العبارة تتكرر، يقولون: شؤون الحياة كلها وشؤون الإنسان كله، قد وضعنا التشريعات التي تكفل له إذا ما سار عليها أن تكون كل هذه المجالات صحيحة ومستقيمة.

اكتشفوا أنفسهم بأن كل ما كانوا يعملونه في الدنيا خطأ، وكان ضلالاً.. أليست هذه هي الخسارة؟ هي الخسارة العظيمة.

في الدنيا قدم هدي الله لعباده بالشكل الكافي وزيادة على الكفاية. ليس فقط بالشكل الكافي بل زيادة على الكفاية مرات ومرات ومرات. ما كلنا نسمع الآن بأن لدى الدولة الفلانية ما يكفي لتدمير العالم عدة مرات الكرة الأرضية عدة مرات، فإن دين الله قدم للناس وهدي الله قدم للناس بما فيه كفاية وزيادة على الكفاية عدة مرات لسكان هذا العالم كله.

{ربنا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ}(السجدة: من الآية12) أليست هذه العبارة عبارة الخاضع؟ عبارة الخاشع؟ عبارة المتأدب؟ عبارة من عرف أن الله ربه؟ هو الذي قال له هنا: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (السجدة:2) أنت لا تريد أن تعترف به أنه رب العالمين إلا عندما تقف بين يديه ذلك الموقف الذي لا ينفعك إطلاقا {ربنا}. عندما يقولون: {ربنا} هي تخرج من أعماق أعماق أنفسهم.. قل هنا في الدنيا.. آمن هنا في الدنيا برب العالمين على هذا النحو، وأبصر واسمع فقد نزل في كتابه، وقد هداك بما يمكن أن تبصر وتسمع على أفضل شيء في كل مجالات الحياة.

{رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً} (السجدة: من الآية12) الدنيا أصبحت مطلوبة للعمل الصالح، ألم تكرر مثل هذه في القرآن أكثر من مرة أنهم يطالبون الله ويتمنون أن يرجعوا إلى الدنيا هذه الدنيا التي عاشوا فيها سنيناً طويلة.. كما قال لهم في آية أخرى:{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} (فاطر: من الآية37) أنت الآن في الدنيا أنتم الآن جميعا في الدنيا يا بني آدم فأبصروا واسمعوا واعملوا صالحا هنا, تطالب أن ترجع إلى الدنيا لتعمل صالحا كما تقول. ها أنت الآن في الدنيا اعمل صالحا وماذا يمكن أن يقدم لك فيما لو عدت إلى الدنيا.. هل هناك ما يمكن أن يقدم لك غير هذا.. غير ما قدمه لك الآن من الهداية؟! هل سيقدم للإنسان شيء آخر فيما لو عاد إلى الدنيا؟ لا. أم أنه اكتشف في الآخرة شيئا آخر من وسائل الهداية بواسطتها أيقن وأبصر وسمع؟ لا.. إنما عندما رأى، رأى العذاب، رأى [الصميل].

وهكذا نحن العرب. وهذا خطاب للعرب هذا خطاب لنا نحن العرب. لا نبصر ولا نسمع إلا عندما نكون في مواجهة الخطر، وقد أحدق بنا الخطر. حينما يكون إبصارنا وسمعنا لا قيمة له ولا أثر له.

هؤلاء هم كفار عرب ونحن ما نزال عربا أيضا، هي النفسية القائمة لدينا الآن في الدنيا أمام الخطورات الشديدة علينا كأمة، والخطورة العظيمة على ديننا كدين نؤمن به ونعتز به.. أليس هناك خطورة محدقة؟ أليس هناك تهديدات صريحة؟ لكن هؤلاء كانوا أسلافنا على هذا النحو لا يبصرون ولا يسمعون إلا يوم القيامة، نحن هكذا.. وإذا كنا هكذا في الدنيا فسنكون هكذا في الآخرة.

فيجب أن نفهم إذا كنا في الدنيا هي طبيعة تترسخ لدينا إنها النفسية التي تقدم بها على الله، النفسية التي روضتها هنا في الدنيا أن لا تؤمن بخطورة شيء إلا إذا أحست بالضربة القاضية حينئذ سيصرخ، إنها النفسية التي تقدم بها على الله، إنها النسيان ستأتي الآية: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا}(السجدة: من الآية14) ناسين، لا نلتفت، لا نبصر ولا نسمع، نحـن نعاني من هذه الحـالة في الدنيا هنا.. لاحظـوا كيف أنها حالة خطيرة..   أن لا يبصر الإنسان ولا يسمع إلا متى ما أحدق به الخطر. هذه حالة خطيرة.. أوليست هي النفسية، وهي الحالة السائدة في أوساط هذه الأمة، وعلى العرب بالذات؟ على العرب بالذات.

يتهددنا اليهود ويتهددنا النصارى ونرى ضرباتهم، ونرى عجزنا أمام ضرباتهم ونرى واقعنا أمام واقعهم، ثم أيضاً على الرغم من هذا كله لا نبصر، ولا نسمع، ماذا سنقول بعد؟. نرجع إلى أين؟ {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا} سيكون رجوعنا عندما نضرب كما يرجع عرفات كما يرجع الفلسطينيون.. أليسوا يرجعون إلى أمريكا، يريدون السلام منها ويستجدون السلام منها، بل كل زعماء العرب هكذا.. يرجعون إلى أمريكا، ويسمونها راعية السلام، وهي الشيطان الأكبر، وهي المثيرة للحروب في العالم.

يجب أن نبصر ونسمع في الدنيا أمام الأخطار المحدقة بنا وبديننا في الدنيا. إذا ربينا أنفسنا على هذا الشعور المهم والجيد والبناء سنقدم على الله ونحن مبصرون، سامعون في الدنيا، وسنبصر ونسمع هنا في الدنيا، ما هو نعيم، ما هو أمن، ما هو شرف لنا، ما هو نعيم دائم في الآخرة الجنة ورضوان الله سبحانه وتعالى.

أما الذي لا يبصر ولا يسمع في الدنيا فهو كما قال الله عنه: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} (طـه:125) كنت بصير بشؤوني الخاصة. {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا}(طـه: من الآية126) كنت تتعامى عنها لا تبصر ولا تسمع.. أليس كذلك؟ {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}(طـه: من الآية126) وكذلك يقول في آية أخرى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} (الإسراء:72) لاحظوا كيف يأتي القرآن الكريم يربط بين الشقاء في الدنيا والشقاء في الآخرة، بين العمى في الدنيا والعمى في الآخرة.

لنفهم أنه إذا لم نبصر ونحن في الدنيا لن نبصر في الآخرة، إلا وجهنم أمام أعيننا ونقول هذا القول ونعوذ بالله من أن نكون ممن يقول هذا القول: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ}.

أليست هذه العبارة خطيرة جدا؟! كل واحد منا يتمنى أن لا يقولها، ويطلب من الله أن لا يكون ممن يقولها؟ شيء خطير جدا. يربط بين العمل في الدنيا وبين العمل في الآخرة بين الشقاء في الدنيا وبين الشقاء في الآخرة.

الشيء الذي يغيب عن أذهاننا كثيرا ونحن نرشد الناس، ونحن نعلم الناس ونحن نحمل اسم عالم، أو نحمل اسم عابد أو نحن نقرأ القرآن على الآخرين، أو نعلم القرآن للآخرين، لا نفهم هذا الربط المهم، الآن نحن نحاول كمسلمين أن نبصر ونسمع.. أليس كذلك؟ لنرى واقعنا نرى ما نحن عليه، نرى ما يجب أن نعمله، نرى ما ينبغي أن ننطلق فيه.. هكذا نشعر بالندم هنا في الدنيا.. أليس هؤلاء ندموا عندما قالوا: {فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحا} على ماذا ندموا؟ عرفوا أن الأعمال الصالحة هي التي ضاعت فضيعوا أنفسهم بضياعها، عرفوا أن تلك الأعمال الكثيرة التي كانوا يجهدون أنفسهم فيها وهي أعمال باطلة لم يعد لها قيمة.. هي سبب الندامة.. أليسوا هنا تمنوا أعمالا صالحة؟.

الأعمال الصالحة هي نجاتك في الدنيا، هي نجاتك في الآخرة، عملت صالحا لأنه يصلح حياتي ويصلح آخرتي. وسميت أعمـال صالحة, صالحة في مـاذا؟ صالحة في الحيـاة مصلحة في الحيـاة لنا، ومصلحـة في الآخرة لنا  {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}(الشعراء: من الآية227) وما أكثر كلمة: صالحات صالحات.

قد يكون إنفاقك مائة ريال يسمى عمل صالح..أليس كذلك؟ وإنفاق خمسة آلاف في مجال آخر يسمى عمل باطل.. ما الفارق؟ هل مجرد العطاء هو الذي يسمى: صالحاً؟ إذاً فلتكن الخمسة الآلاف هي الصالحة والمائة الريال هي العمل الباطل. المجالات التي تتجه في أعمالك نحوها، مجالات أعمالك وإلا فكل الناس يعملون.

أليس أهل الباطل يتحركون ويسهرون ويتعبون؟ أليس أهل الباطل ينفقون الأموال الكثيرة أكثر مما ينفق أهل الحق؟ هناك إنفاق هناك ألم {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ}(النساء: من الآية104) إن تكونوا تنفقون فهم ينفقون كما تنفقون، إن تكونوا تتعبون فهم يتعبون كما تتعبون.. وهكذا.. الأعمال شكليتها واحدة لكن هناك أعمال صالحة غاياتها، منطلقاتها هي التي تجعلها صالحة فيما إذا كانت تسير على هدي الله.

{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}(الحج: من الآية37) أليس يتحدث عن الهدي في الحج، عمل صالح؛ لأنه في مصلحتك أنت، وكل ما تبذله من أجل نصر دينك والدفاع عن دينك إنه في مصلحتك أنت في مصلحة البشرية كلها؛ لأن صلاح البشرية صلاح الأمة كله مرتبط بالدين واستقامته، وأن تطبق أحكامه، وأن يسود هديه في هذه الدنيا. هذه هي الأعمال الصالحة، وهي ما يكتشفها المجرمون فيما بعد، وهي ما سيكتشفها كل من أضاعها في هذه الدنيا، سيرى أن تلك الأعمال الصالحة هي نوعية معينة من الأعمال.

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com