القرآن الكريم

الصرخة في المساجد؟. بقلم/ حمود عبدالله الأهنومي

| مقالات | 17 شوال 1439هـ/ الثقافة القرآنية:-
المقدمة
كانت لي مواقفُ ومقالاتٌ ونقاشاتٌ مناهِضة للصرخة، يعرفها مَنْ كان قريبا مني، نتيجةً للنفور من محاضرات الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، وتجنُّب قراءتها بإنصاف، وبسبب تداعيات بعض الانتقادات التي أطلقها الشهيد القائد حول بعض العلوم، وانسياقا خلفَ سلطان الإلف والعادة، حيث يشهر سيف الرهبة، والرغبة، وحيث تأثيره الخطير على كثير من الناس، بالإضافة إلى طبيعة المهمة التي قد يلقيها عليك المجتمع، أو المؤثِّرون على وعيك، وهو أنك (حامي الحمى ومانع الذمار).
غير أن طابع تلك المناهضة كان في مجمله متَّسما بالاعتدال، والتسامح، كما يشهد لذلك بعضُ مضامين المقالات التي كتبتُها في تلك الفترة، والتي لا يزال حائطي على الفيسبوك يذكِّرُني بها بين الحين والآخر، المضامين التي لم تكن تكابر في مشروعية الصرخة، بقدر ما كانت تركِّز على الأخطاء التي ترافق عملية التوعية بها ونشرها وردة الفعل إزاءها.
لقد كان يحلو لي القول بأن التشدُّد في الفرض والرفض لها، لا أرضاه لنفسي، ولا لغيري.
ثم ابتعدتُ عن العواملِ التي صنعَتْ ذلك الموقف، فكبُر السؤال الذي كان يُلِحُّ عليَّ من أول يومٍ بضرورة الإجابة عنه، وهو لماذا نتشدَّدُ ضد الصرخة؟ وأي مشكلة دينية تنشأ عنها؟
وشيئا فشيئا وقد تخلَّصْتُ من معظم العوامل المذكورة سلفا، بتُّ أرى أثرَها الناجع، والمؤثِّـر، على العدو الأمريكي والصهيوني، حيث أصبحَتْ من الأمور المُزْعِجة لهم بشكلٍ واضح، وعلني، وقطعي، لكل من يتابع الإعلام المحلي والإقليمي والعالمي، بالإضافة إلى قناعتي بكونها باتت عنوانا لمرحلة هامة من تاريخ اليمن المعاصر، ومشروعِه التحرُّري، النهضوي، فصار لدي قناعة راسخة بأن مناهضتها والاعتراض عليها صار أمرا غيرَ مُنصِف.
في ذكرى الصرخة في العام الماضي 1438هـ شرعتُ لأكتب آرائي حولها، وأجمع ما أعثر عليه من معلوماتٍ عنها، وعن أسبابها، وتأثيراتها، وأسباب مناهضتها، فتكوَّنت بين يديَّ مادة أمكن أن تُشكِّل عمادَ مقالاتٍ مطوّلة حولها، فأعلنتُ في حائطي أن (حمود الأهنومي سيردُّ على حمود الأهنومي بشأن الصرخة)، حتى لا يطال بعضَ الزملاء والأحبة – الذين لم ترق لهم بعد – شيءٌ من آثار تلك الدفاعات، وحتى لا يجد أحدٌ سببا في الدفاع عني مني.
ومع ذلك .. لم أرَ بونا شاسعا بين موقفي الأول والأخير؛ حيث لم أكن من المتشددين في البداية لأكون كذلك في النهاية؛ لهذا لستُ نادما على مجمل موقفي الأول، ولكن على بعض المواقف والتفاصيل التي كانت تشذ عن حالة التسامح، والاعتدال، ولقد حمدت اعتدال موقفي في البداية؛ لأنه كان وسيكون أحد الضمانات باعتدالي في الختام.
في مناسبة العام الماضي نشرْتُ على صفحات (صدى المسيرة) مقالتين مطولتين، أولاهما بعنوان (الصرخة في المساجد المفهوم والمشروعية)، وثانيهما (الصرخة في المساجد شبهات وردود)، قيل لي لاحقا: إنهما حظيا باهتمامٍ جيِّد من قبل القراء والمهتمين بالشأن الثقافي، وكثيرا ما طلب مني أصدقاءُ إرسالَهما إلكترونيا إليهم، وصولا إلى مناسبة هذا العام 1439هـ التي باتت على الأبواب، فإذا ببعض الإخوان يطلب مني جمع المقالتين في كتيِّب، وطبعها، لتعميم الفائدة، فاستحسنت الطلب، وأعدت قراءتها، وسارعت لترتيبهما على هذا النحو.
ومع أن القضية لم تكن بحاجة لكل هذا الأخذ والرد، لولا حالة التهويل التي خاضها المجتمع أثناء الحروب على صعدة وما لحقها، ولولا التورُّط في مواقفَ لا يرادُ التنازلُ عنها، بالإضافة إلى تلك العوامل التي أشرت إليها سابقا.
ما أهدف إليه وأتوقُّعه من هذا الكتيِّب أنه سيساهم في التأصيل العلمي لمشروعية القضية، وسينفي ما ردّده بعضُ المعترضين عليها، من أقوال ومواقف، لا تخرج عن المناكفات التي اتكأوا عليه للحفاظ على الأتباع والظهور بمظهر حامي الحمى، ومانع الذمار، وإن أُسْدِل عليها مسحة من العلم والفقه.
ربما لا يروق لمن يقرأه بإنصافٍ تصويرُ صرخةِ أفرادٍ في مسجد من مساجد الله على أنها نوعٌ من التعدِّي على ذلك المسجد أو على مرتاديه، أو أنه لونٌ من ألوان فرضِ الصرخة على الناس بالقوة؛ إذ المساجد لله تعالى، والفرض لا يكون إلا بإجبارِ الناس على الصراخ بها، أما مجرد أن يصرُخَ صارخٌ بدون التعرض للآخرين، فهذه ممارسة دينية لحقٍّ طبيعيٍّ مشروع إن لم يكن مفروضا، ومن يعتبر ذلك فرضا لأمرٍ خاص في مسجدٍ يعتبرُه ملكا له، فهذه إشكالية تبدأ معالجتُها بتصحيحِ وضعية المساجد لتكون لله فقط، ولا يفوتني توجيه التقريع لأولئك الذين يوزِّعون أوصاف النفاق على كل من لا يصرخون، وهم أولئك الذين نقف وإياهم في خندق المواجهة الفاصلة ضد أمريكا، ويمضون شهداء إلى الله تعالى.
المطلوب الأكثر إلحاحا هو أن يتحلّى المعترِضون بنوعٍ من المرونة حول الصارخين، وأن لا يعتبروا ذلك أمرا مخالفا للشريعة، ومناقضًا للدين الحنيف، وأنهم ليسوا بأيِّ حالٍ من الأحوال مقصودين بتلك الصرخة، حتى ولو حاول بعض السيِّئين تصويرَ الوضع على ذلك النحو، بل المقصود أمريكا، وإسرائيل، ومشروعُهما المدمر في المنطقة، وما نعيشه من عدوان خلال أربع سنوات جزء من تفاصيله.
لقد رتَّبت الكتيب في قسمين، القسم الأول بحَث مفهوم الشعار، ووظيفته، وتأصيله شرعا، والقسم الثاني كان عبارةً عن ردودٍ مطوّلة على بعض الشبه التي يتم طرحها من قبل المناوئين.
ونهجت في الكتيب المنهج البحثي، وسلكت طريق الحوار الفقهي، وأوردت الأدلة التي اعتبرتُها كافية على مشروعية القضية، وبعضها أدلة إقناعية، وبعضها مما يستلزِمه المعترضون عليها، ولا سبيل لهم إلى التهرب منها بحسب أصولهم ومبادئهم.
اعتمدتُ في المصادر على ما أورده الشهيد القائد من احتجاجاتٍ وأفكارٍ في بعض محاضراته، حيث لم أستوفِها، ثم على ما بدر لدي من أفكار، وما تذكرتُه سريعا فمَرَرْتُ عليه من مصادر التاريخ، وهو بعض الحوادث التي تحجُّ المعترضين، وتقطعُ أعذارهم.
أخيرا أسألُ الله أن يأخذ إلى الخير بنواصينا، وأن يبصِّرَنا عيوبَنا، وأن يهديَنا لما يُحِبُّ ويرضى.
ذكرى الصرخة في وجه المستكبرين- 1439هـ


صرخة أم شعار؟
كان من الطبيعي جدا أن أطلق الشهيد القائد السيد حسين الحوثي رضوان الله عليه على الشعار مصطلح (الصّرْخة) وهي في اللغة: “الصَّيْحَةُ الشَّديدَةُ. والصراخ: الصَّوْتُ، أو شَديدُهُ”؛ فقد كان لا بد من صيحةٍ شديدة، تكسر جدار الصامتين، وتوقظ النائمين في ذلك السبات العميق، وتُحدِث جلَبة كان لا بد منها للفتِ انتباهِ السادرين في ظلام تلك الوضعية البائسة.
لقد كانت (الصرخة) مصطلحا موفَّقا جدا في دلالتها اللغوية، والعرفية، بعد أن صارت عُرْفا خاصا، وكذلك في إيحاءاتها النفسية، والتربوية، والواقعية.
في محاضرته الأولى (الصرخة في وجه المستكبرين) ذكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي مصطلح (صرخة) 10 مرات، وذكرها مع اشتقاقاتها الاسمية والفعلية 32 مرة، لكنه لم يذكر كلمة (شعار) إلا مرة واحدة؛ إذ كانت البداية تقتضي أن يكون هناك صيحة شديدة تُدَوِّي في مناطق عديدة، لكن تدريجيا بدأ مصطلح (شعار) يحل محلها، ففي محاضراته التالية ندر أن تحدَّث عنه بلفظ (صرخة)؛ لأنه أراد بعد ذلك أن تكون شعارا، أي عَلَما لمشروعٍ استنهاضيٍّ كبير، هذا الشعار علَمٌ له، وعنوانٌ عريضٌ يُنْبئُ عنه، ومكوِّنٌ أساسٌ من مكوناته.
والشعار كما في كتب اللغة: “من الثياب ما وَلِيَ جسَدَ الإنسان دون ما سواه من الثياب، سمي بذلك لمماسَّته الشَّعَرَ”، قال الإمام علي عليه السلام في الثناء على أهل البيت وعلاقتهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نَحْنُ الشِّعَارُ وَالْأَصْحَابُ وَالْخَزَنَةُ وَالْأَبْوَابُ)، يصفهم بأنهم الأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكأنَّ غيرهم هو الدثار، وهو الجهة الخارجية للثوب.
و”الشعار أيضا في كتب اللغة: هو ما يُشْعِر الإنسانُ به نفسَه في الحرب، وشعار العساكر: أن يُسَمُّوا لهم علامة ينصبونها ليَعْرِفَ الرجل بها رفقته، وهو أيضا: علامة القوم في الحرب، وأشعَر القومُ به: نادوا بشعارهم، والشعار: العلامة، قال الأصمعي: ولا أرى مشاعر الحج إلا من هذا لأنها علاماتٌ له”.

لقراءة المقال كاملاً وتنزيله اضغط على الرابط التالي:-

الصرخة في المساجد

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com