القرآن الكريم

كلمة السيد عبدالملك الحوثي في ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي عليهما السلام 1442هـ

|محاضرات وخطابات السيد القائد | 25 محرم 1442هـ/ الثقافة القرآنية :-

أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

أيُّها الإخوة والأخوات: السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

نتحدث اليوم في ذكرى استشهاد علمٍ عظيمٍ من أعلام الأمة الإسلامية، ونجمٍ من نجوم الهداية، ذلكم هو الإمام الشهيد زيد بن عليٍّ زين العابدين وسيد الساجدين، ابن سبط رسول الله الإمام الحسين بن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله، وابن عليٍّ أمير المؤمنين “عليهم السلام”.

والإمام زيدٌ “عليه السلام” في نهضته هو محط تقديرٍ وإجلالٍ لدى كافة أبناء الأمة بمختلف مذاهبها، وحديثنا عن الأحداث التاريخية، وعن أعلام ورموز الأمة، وعن المناسبات المهمة، هو ذات أهميةٍ كبيرة، نحن كأمةٍ مسلمة في أمسِّ الحاجة إلى ذلك، ولهذا علاقةٌ مهمةٌ بواقعنا وحاضرنا وما نواجهه من التحديات والأخطار.

المناسبات والأحداث التاريخية لها صلةٌ بواقع الأمة اليوم؛ لأن واقع الأمة اليوم وحاضرها هو نتاجٌ لماضيها، وهي ترتبط بهذا الماضي منهجياً على المستوى الثقافي والفكري، وعلى مستوى المبادئ والقيم، وعلى مستوى الولاءات… وعلى كافة الجوانب، وإذا اتجهت الأمة لتصحيح وضعها الراهن، وتصويب مسارها العملي، فلا بدَّ لها أن تحمل الوعي تجاه هذا الماضي، وأن تقيِّمه بشكلٍ صحيح وبمعايير صحيحة؛ حتى لا تتشبث بما هو خاطئٌ من هذا الماضي، أو بما هو عبارة عن حالة انحراف أو تحريف، فيؤثر على واقعها الراهن وعلى مستقبلها الآتي.

ثم نحتاج أيضاً إلى استلهام العبر والدروس الكبيرة والمهمة من تاريخنا، ونحتاج أيضاً إلى الاستفادة من هذا التاريخ فيما يتعلق أيضاً بواقعنا الراهن فيما نستلهم منه من رموزه من أعلامه، فيما يمثل أيضاً خط الهداية والامتداد للموقف الصحيح، نحتاج إلى ذلك كله.

الأمة الإسلامية فيما تعاني منه اليوم، وفيما عانت منه في الماضي، جزءٌ كبيرٌ من هذه المعاناة يعود إلى وضعها الداخلي، ففي واقعها الداخلي تعاني من الظلم، تعاني من غياب العدل، تعاني من الانحراف الثقافي والفكري، وانتشار المفاهيم الظلامية، والأفكار والثقافات الخاطئة، والعقائد الباطلة، تعاني في داخلها من الصراع، من الظلم، من الشتات، من الاختلاف والتفرق، تعاني على كل مستويات ومجالات الحياة في كل اتجاه: في وضعها الاقتصادي تعاني، في وضعها السياسي تعاني… في كل واقعها تعاني، وهذا شيءٌ غير طبيعي؛ لأنه ليس نتاجاً وثمرةً لانتمائها للإسلام، الإسلام هو دين الله العظيم، ومبادئه وقيمه وأخلاقه وشرعه ونهجه هو يبني حياةً مميَّزة، حياةً عظيمة، حياةً راقية، هو يهيِّئ للمجتمع الذي ينتمي إليه، ويتمسك به بشكلٍ صحيح، ويلتزم به بشكلٍ صحيح، أن يتكفل أو أن يحظى بحياةٍ كريمةٍ تسودها مكارم الأخلاق، يتحقق فيها العدل، يقوم فيها الحق، تجتمع فيها الكلمة على التقوى، تعتصم فيها الأمة بحبل الله “سبحانه وتعالى”، تتعاون على البر والتقوى، يكون أبناء هذا المجتمع بعضهم أولياء بعض، على أساسٍ من هذه المبادئ والقيم العظيمة والمهمة، يكفل له أن يبني حضارةً إنسانيةً راقية؛ لأنها تعتمد على مبادئ إلهية وقيم عظيمة، وعلى نهجٍ قويم، وعلى تعليمات مصدرها الله “سبحانه وتعالى” من حكمته، من رحمته، من علمه، فالحالة السليمة لواقع مجتمعٍ ينتمي إلى الإسلام، ويلتزم بالإسلام، هي على هذا النحو: مجتمع يسوده الحق، والعدل، والألفة، والأخوة، اجتماع الكلمة على أساسٍ من هذه المبادئ والقيم، فلماذا أصبحت هذه الحالة غريبةً إلى حدٍ كبير عن واقعنا كأمةٍ مسلمة، وأصبحت حالةً نادرة، فأصبح الكثير من أبناء مجتمعنا ينظر إليها كحالة خيالية؟ عندما نتحدث عن الواقع الصحيح الذي هو نتاجٌ للتمسك بالإسلام كيف يكون، ثم نرى الفجوة الكبيرة بين هذا وبين الواقع الذي تعيشه الأمة، يرى البعض في ذلك حالة شبه خيالية، أو حالة شبه أسطورية، وكأنها ليست حقيقية.

الحقيقة أنَّ الأمة الإسلامية منذ أمدٍ بعيد وعلى مدى قرونٍ متتالية عانت إلى حدٍ كبير، ودخل إليها كل هذا الدَّخْل السلبي، وهو عبارة عن حالةٍ من الانحراف والتحريف، كانت نتيجته هذه الحالة في واقعها: أن يحل الظلم محل العدل في الأعم الأغلب، أن يحل الضلال والظلام على كل المستويات: الفكرية، والثقافية، والعقائدية، والمفاهيم المتعلقة بالحياة، بدلاً عن النور إلى حدٍ كبير، ولدى فئة كبيرة من أبناء الأمة، وهكذا أن تدخل بقية السلبيات التي كان لها تأثير واضح في الانقسام الكبير بين أبناء الأمة، وفي الاختلاف، والتفرق، والشتات، والصراع، والتنازع…إلخ.

حالة انحرافٍ وتحريفٍ تمثل السبب الرئيسي، ومصدر هذا الانحراف والتحريف كان ثنائيان حذَّر رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” الأمة منهما، ومن دورهما السيء، هما: سلاطين الجور، وعلماء السوء، الطغاة المتجبرون، الذين يتربعون ويتقلدون مقاليد الحكم في هذه الأمة، ويسيطرون عليها من موقع الحكم والسلطة، وإلى جانبهم علماء السوء، الذين يقفون إلى صفهم، ثم يشرعنون لهم كل ممارساتهم الإجرامية والمضلة، ويبررونها، ويقدِّمون لها الفتوى، ويقدِّمون المفاهيم الخاطئة والمضلة التي تشرعنها، وتروِّج لها، وتبررها، وتهيِّئ لها، وتوجد لها القابلية في الساحة الإسلامية، والسياق التاريخي لهذا الانحراف ولهاذين الثنائيين كانت ذروته في التاريخ الإسلامي متمثلةً ببني أميَّة.

بنو أميَّة كانوا هم في ذروة هذا الانحراف، وعلى رأس هذا الانحراف والتحريف الكبير في واقع الأمة، ومن يومهم الأول، هم كانوا في بداية الأمر في الصدارة في محاربة الإسلام ورسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، لمَّا انتصر الإسلام وتثبتت أركانه، وعجزوا عن محاربته بشكلٍ واضحٍ وصريح، وأرغموا على الدخول في هذا الإسلام؛ لأنه انتصر، وأصبح مسيطراً على الساحة العربية، اتجهوا وحملوا لواء النفاق في داخل هذه الأمة، ثم عندما وصلوا إلى مقاليد الحكم وسيطروا على السلطة في الساحة الإسلامية، تحرَّكوا بشكلٍ رهيبٍ جداً، يقودون هذا المسار التخريبي السلبي من الانحراف والتحريف، ومحاربة خط الهداية، والصراط المستقيم، والامتداد المحمدي الأصيل، بدءاً من محاربتهم للإمام عليٍّ “عليه السلام”، ومحاربتهم للإمام الحسن “عليه السلام”، ومحاربتهم للإمام الحسين “عليه السلام”… وهكذا بشكلٍ مستمر.

في تحركهم التخريبي والسلبي اتجهوا لنقض عرى الإسلام عروةً عروة، (واتخذوا دين الله دَغَلا، وعباده خَوَلا، وماله دُوَلا)، ووصلت الحالة الرهيبة جداً من حالة الانحراف والتحريف في زمنهم إلى المساس بالمقدسات والمعالم الكبرى لهذا الدين، وهذا يدلل على مستوى الانحراف والتحريف الذي وصلوا إليه، وأنه بلغ الذروة، بلغ حداً خطيراً، ولولا الجهود الكبيرة والعظيمة في خط الهداية ورموزه، وفي الجهود التي بذلها أخيار الأمة وصالحها في هذا الطريق؛ لكانوا تمكنوا بالفعل من الطمس الكلي لمعالم الإسلام، ولكانوا نجحوا في الانحراف الكلي بالأمة؛ حتى لا يبقى للحق صوتٌ، ولا يبقى للهداية راية.

بلغ الأمر في زمنهم أنهم تمكَّنوا أو وصلوا إلى درجة المساس بأهم ما لدى المسلمين من مقدسات ذات رمزية عظيمة في الدين، فمثلاً: الإساءة إلى الرسول “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، الإساءة والاستهتار بالقرآن الكريم، الإساءة أيضاً والاستهتار بالمقدسات والمعالم الإسلامية، فهم من بلغ بهم الحال أنه إلى جانب تحريفهم لمعاني ومفاهيم القرآن الكريم، أسسوا للسخرية والاستهتار بالقرآن الكريم، إلى درجة أنَّ أحد ملوكهم رمى القرآن الكريم، رمى المصحف الشريف بالسهام، واستهتر به ومزقه، إلى درجة أيضاً أنهم أحرقوا الكعبة لمرة، وهدموها بالمنجنيق لمرةٍ أخرى، إلى درجة استباحتهم لمدينة رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وقتلهم لسكان المدينة من المهاجرين والأنصار وذراريهم، إلى درجة حربهم لعترة رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وقتلهم لتلك الصفوة من أخيار الأمة، وأبرار الأمة، وعظماء الأمة من آل رسول الله ومن معهم، فما فعلوه ليس بالهين ولا بالقليل، منتهى ما نتوقعه: هو المساس بمثل هذه المقدسات المهمة.

وصل الأمر إلى أنَّ يهودياً في زمن الملك الأموي هشام بن عبد الملك بن مروان قام بالسب للرسول “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” في مجلس هشام وبحضرته، وبدون أن يكون لهشام هذا أي موقف، حتى موقف اعتراض أو استياء مما يقوله اليهودي، ومما يوجهه من سب وإساءة إلى الرسول “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، الإمام الشهيد زيد بن عليٍّ “عليه السلام” كان حاضراً؛ لأن هشاماً كان قد استدعاه من المدينة المنوَّرة استدعاءً إجبارياً وحضر، فسمع ذلك اليهودي وانتهره، وعندما انتهره غضب هشام وانزعج من الإمام الشهيد زيد بن عليٍّ عليهما السلام، وقال له: (مه)، أو في بعض الروايات: (صه، لا تؤذِ جليسنا يا زيد)، إلى هذا المستوى: أنه ينزعج- وهو يقدِّم نفسه أنه الحاكم على بلاد المسلمين وعلى الأمة الإسلامية- ينزعج أشد الانزعاج من ازعاج اليهودي الذي سبَّ رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، نرى كيف وصلت حالة الانحراف: أن يكون اليهودي هذا عند هشام أهم من رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وأن ينزعج من الإساءة أو من الانتقاد لهذا اليهودي، وهو في الوقت نفسه يسب رسول الله، المشكلة معه هي على ماذا؟ على أنه يسب رسول الله، ويسيء إلى رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، فينزعج هشام أشد الانزعاج، ويمنع من توجيه التهديد والانتقاد لهذا اليهودي، هذه حالة رهيبة جداً، تكشف لنا مدى الانحراف، وعندما يصل الأمر إلى هذا المستوى، أي حرمة للأمة، أي قدرٍ للأمة، أي قيمة للأمة الإسلامية لدى شخصٍ هو بهذه النفسية، لديه هذا التوجه، لديه هذا التفكير، لديه هذه النظرة؟!

إذا كان من هو في موقع الحكم، موقع السلطة، موقع القيادة للأمة، ويتربع على رأس الدولة الإسلامية، إذا كان لا يحمل ذرةً من الاحترام لرسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، ولا من الاحترام للقرآن الكريم، ولا من الاحترام للمقدسات الإسلامية، يتجرأ حتى على رمي الكعبة المشرَّفة بالمنجنيق، وعلى حرقها بالنيران، هل يمكن أن يكون للأمة نفسها أي قيمةٍ لديه في أي شيء: في حياتها، في قدرها، في حريتها، في كرامتها؟ هل يمكن أن يحمل ذرةً من الاهتمام بأمر الأمة فيما فيه خيرها وصالحها؟ لنرى الارتباط المهم جداً ما بين مسألة القيمة الدينية والأخلاقية لمبادئ الأمة ومقدساتها، وما لذلك من علاقة في قيمة الأمة نفسها، فمن يصل به الحد إلى أن يكون على هذا المستوى من الاستهتار والاستخفاف والاحتقار واللامبالاة تجاه أقدس مقدسات الأمة، وأعظم مبادئ الأمة، وما يمثِّل أهميةً دينيةً وقيمةً إنسانيةً وأخلاقيةً لهذه الأمة، هل يبقى للناس لأبناء هذه الأمة عنده أي قيمة، أي قدر، أي أهمية؟ كلا، وإذا كان مقام اليهودي عنده أكثر أهمية من مقام رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وهو سيحترم هذا اليهودي، وسيكون على علاقة بذلك اليهودي، واحترام وإصغاء لذلك اليهودي وهو يوجه الإساءة إلى نبي الإسلام، وإلى مقدسات المسلمين، هل يمكن لمثل هذا أن يكون مؤتمناً على هذه الأمة في قراراتها، في سياساتها، في مواقفها، في توجهاتها؟ هل ينبغي للأمة أن تكون تابعةً أو طائعةً أو متجهةً اتجاه من لديه هذه الحالة من الانحراف، وهذا المستوى من الابتعاد عن منهج هذه الأمة؟ هو في نهاية المطاف أصبح في الموقع الذي يعادي فيه هذه الأمة، وأصبح على النقيض مما عليه هذه الأمة في مبادئها، في قيمها، في وجهتها، له وجهة أخرى، هو في صف أعداء هذه الأمة.

من يعادي لهذه الأمة، يعادي مقدساتها، رموزها، مبادئها، رسولها وكتابها ودينها على المستوى الإجمالي، هو عدوٌ للأمة بما تعنيه الكلمة، هو أكبر عدو لهذه الأمة، الذي يقف إلى جانبه وفي صفه، يتحالف معه، يدخل معه في علاقات، يصغي له، يجعل ما هو منه أهم من هذا الإسلام بكله، هو في الموقف المعادي لهذه الأمة، والذي يشكل خطراً وتهديداً على هذه الأمة في واقع حياتها، في أمنها، في اقتصادها، في واقعها الاجتماعي… في واقعها كله، فيما يتعلق بالجانب الثقافي والفكري: هو يشكل تهديداً، هو يتحول إلى مصدر انحراف وتحريف، وتضليل وإفساد، وهذه الحالة هي تشكِّل خطراً كبيراً على الأمة، فهناك ارتباط كبير جداً في حالة الانحراف والتحريف الذي يصل في ذروته إلى هذا الاستهتار بالرسول والقرآن والمقدسات، ارتباط وثيق بين هذا الانحراف وبين السلوك والتعامل مع هذه الأمة، ومن هنا نفهم كيف أمكن لأولئك أن يسعوا إلى تضليل هذه الأمة إلى حدٍ كبير، وإلى تقديم صورة مختلفة عن حقيقة الإسلام، وعن ثمرته العظيمة في واقع الحياة.

فالدور الأموي الذي بلغ الذروة على المستوى التاريخي في الانحراف والتحريف، إلى درجة المساس بهذه المقدسات العظيمة، إلى مستوى هذا الموقف السيء من النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، من القرآن الكريم، من المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة، نجد أنه بقي له امتداده في واقع هذه الأمة، وأنه لولا أنه قوبل بالتصدي والمواجهة؛ لكان غيَّر واقع الأمة على نحوٍ تام، لكانت هذه الأمة قد خسرت اسلامها بالكامل، وأصبح لها شكل آخر جداً في كل واقعها، لما بقي للحق صوتٌ، ولا للهدى راية، وإنما كانت نعمة الله “سبحانه وتعالى” ورحمته وحكمته بما أنعم به على هذه الأمة من امتداد لخط الهداية الذي يمثل الإسلام المحمدي الأصيل، والنهج القرآني الأصيل والصحيح.

الإمام عليٌّ “عليه السلام” الذي قال عنه الرسول “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”: (عليٌّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ)، الذي أخبر الرسول “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” أنه سيقاتل على تأويل القرآن كما قاتل النبي على تنزيله، الذي أخبر عنه النبي أنه مع الحق والحق معه لن يفترقا، الذي أخبر عنه النبي أنه منه بمنزلة هارون من موسى إلَّا النبوة، قام بدورٍ كبيرٍ جداً في الحفاظ على امتداد هذا الحق، ومن بعده الحسن والحسين “عليهما السلام” سيِّدا شباب أهل الجنة.

الإمام عليٌّ استشهد وهو يؤدِّي هذا الدور المهم، والحسنان السبطان “عليهما السلام” استشهدا وهما يؤديان هذا الدور المهم، زين العابدين “عليه السلام” كان أيضاً امتداداً لهذا المسار في هداية الأمة، في خط الهداية، في الحفاظ على صوت الحق؛ كي يبقى موجوداً وقائماً في هذه الأمة، ابنه الباقر “عليه السلام” كان كذلك امتداد لهذا النور، لهذا الهدى، لهذا الخط الأصيل من الهداية، الحسن بن الحسن “عليهما السلام” كان أيضاً في هذا الامتداد لهذا الصوت، ومعهم أخيار هذه الأمة، صلحاء هذه الأمة، أبرار هذه الأمة، الذين وقفوا إلى جانبهم، وقدَّموا التضحيات في صفهم، هؤلاء كانت قضيتهم هي الحفاظ على الإسلام، على امتداده، على الحق، على صوته أن يبقى قائماً في واقع هذه الأمة، وأسهموا إلى حدٍ كبير من منع حالة الانحراف تلك وحالة التحريف حتى لا تضيع هذا الإسلام بالكامل، بقي للحق صوته، بقي للحق امتداده بتلك التضحيات، وبتلك الجهود، وبذلك العمل الدؤوب الذي قاموا به في واقع الأمة، وكانت الحالة التاريخية حالة ساخنة جداً بالصراع الذي هو في حقيقة الأمر صراعٌ بين الحق والباطل، بين النور والظلام، بين الهدى والضلال.

الإمام زيدٌ “عليه السلام” كان معاصراً لهشام بن عبد الملك بن مروان، وهشام هذا هو من طغاة بني أميَّة، وبلغ كذلك مستوى فظيع من الطغيان والظلام والظلم والإجرام في هذه الأمة، هو من بلغ به الحد إلى أن خطب في الحج في مكة المكرمة، وكان أهم نصٍ في خطابه هذا وأهم فقرة أن قال للناس جميعاً في مقام الحج، في مقام هو مقام من مقامات العبودية لله، والطاعة لله، والتقوى لله، من أهم ما في الحج التزود بالتقوى، أن قال هناك في ذلك المقام: (والله لا يأمرني أحدٌ بتقوى الله إلَّا ضربت عنقه)، تخيلوا من له هذه النفسية، وهذه الطريقة في التفكير، من له هذا التوجه الذي يؤكِّد أنه على انحرافٍ تام عن تقوى الله “سبحانه وتعالى”، وإلى درجة أن لو يأمره أحد بتقوى الله، فإنه أقسم أن سيضرب عنقه، هكذا يتخاطب مع الأمة: بتكبر، بغطرسة، المنطق نفسه منطق تكبر، منطق غطرسة واستعلاء وعتو، ومنطق كفرٍ وفسق، ليس هناك أحد فوق أن يُؤمَر بتقوى الله، الله يقول حتى لنبيه “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ}[الأحزاب: من الآية1]، تأتي كل الأوامر بالتقوى في القرآن الكريم للمؤمنين في المقدمة بأكثر من بقية الأوامر لكل الناس، هناك: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ}، إلَّا أنَّ الأمر بالتقوى للمؤمنين يأتي بأكثر من الخطاب العام، هذا يتعامل مع الأمة بهذه الطريقة؛ لأنه لا يريد أن يتقي الله لا في سياساته، لا في مواقفه، لا في برنامجه الذي سيدير به واقع الأمة من خلاله، كله منحرفٌ عن تقوى الله “سبحانه وتعالى”، كله في اتجاه الباطل، في اتجاه الظلم، في اتجاه الفساد، في اتجاه التضليل، ولا يريد أن يزعجه أحد بأن يقول له: (اتق الله)، الإمام زيدٌ “عليه السلام” هو الذي كسر هذا الحاجز، هو الذي تحدى هذا الطغيان، الإمام زيدٌ “عليه السلام” عندما وصل إلى هشام وقد عرف أنه هدد وحذر وتوعد من يأمره بتقوى الله قال له: (اتق الله يا هشام)، (اتق الله)، غضب وانفعل: (أومثلك يأمر مثلي بتقوى الله)، وأجاب عليه الإمام زيدٌ “عليه السلام” بكلمته الشهيرة: (إنه ما من أحدٍ فوق أن يُؤمَر بتقوى الله، وما من أحدٍ دون أن يَأمُر بتقوى الله).

في ذلك المقام الذي سمع فيه الإمام زيدٌ “عليه السلام” اليهودي في مجلس هشام يسب رسول الله، وقف الإمام زيد “عليه السلام” الموقف الذي يفرضه عليه دينه، الذي يفرضه عليه انتماؤه لهذا الإسلام، غضب، هنا توجه الإساءة إلى مقدس من أقدس مقدسات المسلمين: إلى رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، انتهر ذلك اليهودي وهدده، لكنَّ هشام وقف إلى صف ذلك اليهودي.

حينما نرى من هم في هذه الأمة يتقلدون زمام الأمور وفي موقع السلطة والحكم يقفون في صف اليهود المعادين لهذه الأمة، في صف أعداء هذه الأمة، في صف أعداء رسول هذه الأمة، وقرآن هذه الأمة، ومقدسات هذه الأمة، ماذا يعني ذلك؟ هذا مؤشر على خطر كبير جداً يتهدد هذه الأمة، ثم هو دليلٌ واضح على أنهم وصلوا إلى أسوأ مستوى من الانحراف، الحالة خطيرة جداً، حينها يجب أن يكون الموقف هو الموقف المسؤول.

الإمام زيدٌ “عليه السلام” هو امتداد لخط الهداية، وهو تحرك باقترانه بالقرآن الكريم، وهو حليف القرآن، الذي كان على علاقة وثيقة بالقرآن الكريم، متخذاً موقفه وقراره بما يمليه هذا القرآن الكريم، بما تقدِّمه وتفرضه تلك المبادئ والأخلاق والقيم التي ننتمي إليها في هذا الإسلام العظيم، وهو درسٌ مهمٌ جداً لنا في كل زمن، تتفاوت وتختلف توجهات الناس ومواقفهم تجاه كل الأحداث التاريخية الكبيرة بحسب فهمهم، وعيهم، دوافعهم، قيمهم، بطبيعة انتماءاتهم، تختلف المواقف والقرارات، البعض قد يتخذ قراره من منطلقات أخرى وبحسابات أخرى، ليست قائمةً على أساس انتمائه لهذا الإسلام، لتلك المبادئ، لتلك القيم، ليس معيار موقفه هو القرآن الكريم، وتوجيهات الله “سبحانه وتعالى” في هذا الكتاب.

الإمام زيدٌ “عليه السلام” بمقتضى انتمائه لهذا الدين العظيم بشكلٍ صحيحٍ وسليم- وهو يمثِّل خط الهداية وطريق الهداية- اتخذ الموقف الصحيح، قام بنهضته العظيمة والمهمة التي أبقت لهذا الحق امتداداً مستمراً، وأبقت لهذا الحق صوتاً عالياً، قام بنهضته وجهاده إلى أن استشهد.

الإمام زيدٌ “عليه السلام” عندما كان ينصحه البعض بالسكوت، وهم ينطلقون من تلك الحسابات الضيقة والشخصية، ومن تلك المعايير البعيدة عن القرآن الكريم، كان يقول لهم: (والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت)، يقول لهم: لا يسعني أن أسكت وقد خولف كتاب الله، وكان العنوان البارز جداً في نهضته تلك هو كما قال “عليه السلام” في عبارته الشهيرة: (عباد الله: أعينونا على من استعبد أمتنا، وأَخْرَب أمانتنا، وعَطَّل كتابنا)؛ لأن هذا النوع الذي يتحكم بالأمة، ثم تكون هذه سياسته وثمرة سيطرته على الأمة: أن يستعبد الأمة، وأن يخرب الأمانة، وأن يتلعب بالمسؤولية، وأن يعطل كتاب الله “سبحانه وتعالى”، فلا يبقى له الفاعلية، ولا يبقى له الدور العملي في واقع الأمة، يشكِّل تهديداً رهيباً على الأمة، وخطراً كبيراً على الأمة في واقعها الداخلي، وكما قلنا: أنَّ جزءاً كبيراً من معاناة الأمة يعود إلى وضعها الداخلي، مشاكل كبيرة، وأزمات كبيرة، وأحداث كبيرة تعاني منها الأمة في واقعها الداخلي.

حالة الانحراف والتحريف في واقع الأمة هذه هي نتيجتها: الاستعباد للأمة، في مقابل أنَّ هذا الإسلام هو دينٌ عظيم يحرر الأمة، يربيها على العزة والكرامة، ويحقق لها في واقع حياتها الكرامة، والحرية في مفهومها الصحيح، فلا تكون مستعبدةً لأحد، ولا يكون الناس عبيداً إلَّا لله “سبحانه وتعالى”، لربهم وإلههم وخالقهم، أن تتحرر الأمة من العبودية للطواغيت بكل أشكالهم، ممن هم محسوبون على هذه الأمة، أو من خارج هذه الأمة، هنا يتحقق للأمة الاستقلال والكرامة والحرية الحقيقية، ويعيش الإنسان بكرامته الإنسانية، وهذه مسألة هامة جداً.

الأمة إذا كانت متطلعة إلى أن تكون في واقع حياتها في حريةٍ وكرامةٍ واستقلال، أليست هذه من العناوين المهمة والجذَّابة والفطرية التي يرغب فيها الناس، تنادي بها الأمم والشعوب؟ كيف يمكن لنا أن نعيش حياة الحرية والاستقلال والكرامة إذا قبلنا بأن يتحكم بنا ويسيطر علينا مثل أولئك النوع: الذين يصلون في مستوى انحرافهم وتحريفهم إلى أن يكونوا على النقيض مما عليه هذه الأمة في مبادئها وقيمها، وأن يرتبطوا بأعدائها، إلى درجة أن يكونوا في غاية الإخلاص لأعدائها، يحترمون أعدائها أكثر مما يحترمون مقدسات هذه الأمة؟!

ولذلك نحن نقول: إنَّ حاضر الأمة هو امتدادٌ لماضيها في الاتجاهين: هناك امتداد لحركة النفاق في الأمة، الذي كان مثالها ونموذجها التاريخي السلبي في ذروته بنو أميَّة. وهناك امتداد لخط الهداية في هذه الأمة، وطريق الحق لهذه الأمة، الذي هو طريق الحرية والكرامة والاستقلال، والخلاص من التبعية للأعداء، الذي هو طريق الإخلاص للمبادئ والقيم الإلهية، لهذا الدين العظيم، لمقدساته، لرموزه، لمنهجه وكتابه، والفرق بين الاتجاهيين واضح، والصراع مستمر.

ولذلك عندما نعود إلى وضعنا الراهن، ونتأمل الأحداث التي تعاني منها الأمة في هذه المرحلة، سيتضح لنا كيف نعيش هذه الحالة في واقعنا الراهن والمعاصر، هناك النموذج الذي يمثل امتداداً واضحاً لمسار الانحراف والتحريف، والذي يقف دائماً في صف أعداء الأمة، ونراه اليوم متمثلاً بكل وضوح بالنظام الإماراتي والسعودي، السعودي والإماراتي هما على رأس هذا المسار في عصرنا وزمننا وبوضوح، هما يحملان راية النفاق، والولاء لأعداء الأمة، والتبعية لأعداء الأمة، ولعب الدور التخريبي والسلبي في داخل هذه الأمة، وهما يشتغلان في حالة الانحراف والتحريف على كل المستويات وفي كل المسارات والمجالات: على المستوى الثقافي، والفكري، والإعلامي، والسياسي، والاقتصادي… وفي كل مجال، هذه حالة واضحة، عندما يصل الحال بالنسبة لهذا الزمن أنَّ نرى أعداءنا المتمثلين بالعدو الصهيوني اليهودي وأمريكا هم الذين يحملون راية العداء للأمة الإسلامية، وعلى رأس أعداء هذه الأمة، أعداء لهذه الأمة، وأعداء لدينها الحق في مفهومه الصحيح، في مبادئه العظيمة، أعداء لمقدسات هذه الأمة، وأعداء أيضاً لرموز هذه الأمة، نرى أعداء هذه الأمة يوجهون الإساءة للرسول “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” بشكلٍ مستمر، إساءة معلنة، عبارات واضحة، مواقف معلنة في صحفهم، في وسائلهم المختلفة، حتى عندما نرى في أوروبا وفي الغرب بعضاً من الصحف تطلق وتوجه الإساءات إلى الرسول “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، إنما هي- في واقع الحال- مرتبطةٌ بالصهيونية اليهودية، والدور الأساس في العداء لهذه الأمة تقوم به إسرائيل وأمريكا، تقوم به الصهاينة اليهود وأمريكا، ولديهم أعوانهم في الشرق والغرب، من يتبعهم، ومن يدور في فلكهم، ومن يقف في صفهم، لكنهم هم أئمة الكفر في هذا الزمن، وهم من يلعبون هذا الدور التخريبي والعدائي ضد هذه الأمة، فعندما نجد أنهم يوجهون الإساءات إلى القرآن، يحرقون المصاحف، إساءات متنوعة إلى القرآن الكريم، استهانة بهذا الكتاب المقدس العظيم، وإساءات توجه إلى الرسول “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، ومؤامرات على المقدسات الأخرى، بما فيها المسجد الأقصى الشريف، والمقدسات في فلسطين وفي غير فلسطين، المؤامرات التي يحيكونها والتي يلعبون من خلالها لعباً كبيراً بحق المقدسات الأخرى في مكة والمدينة، من بينها الصد عن المسجد الحرام، وتقليص الحجاج، وفرض واعتماد سياسات تقلص من نسبة الحجاج، وتضع القيود الكثيرة على فريضة الحج، وتمنع هذا البلد أو ذاك في إطار الصراع مع هذا البلد أو ذاك، الكثير من المؤامرات، والكثير أيضاً من الإساءات، بما فيها إدخال صهاينة إلى المسجد النبوي الشريف، وتصويرهم وهم يحملون الحقائب التي عليها العبارات العبرية، هذا الدور الذي نراه اليوم حاضراً، هو يأتي في هذا السياق: في حالة انحراف وتحريف، وتنكر لهذه المبادئ والقيم العظيمة.

أولئك يتجهون بكل وضوح في صف أعداء الأمة، وقد بلغوا في عدائهم لهذه الأمة إلى هذا المستوى، وموقفهم من هذه الأمة هو موقف هشام يوم انزعج من انتهار ذلك اليهودي لمَّا سب رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، هم يقفون مع العدو الذي يسيء للرسول، وينزعجون عندما يجدون من يتصدى لهذا العدو، عندما يجدون في هذه الأمة خط الحرية والاستقلال، ويرون أحرار هذه الأمة الذين يتجهون الاتجاه الصحيح القائم على أساس عدم التبعية للأعداء، لأعداء هذه الأمة، يحاربونهم هم، يقفون ضدهم هم، فيمكننا القول بأنَّ العمالة في هذه المرحلة من النظام السعودي والنظام الإماراتي وآل خليفة… وأمثالهم ممن يتجهون اتجاههم من أبناء هذه الأمة، ثم يقفون في صف العدو الواضح لهذه الأمة، الذي يسيء إلى مقدساتها ونبيها وكتابها، يمكننا القول: أنَّ هؤلاء عندما وقفوا في صف أعداء الأمة، أصبحوا أعداء لهذه الأمة، وخطراً على هذه الأمة، وهم بالفعل كذلك، هل يشتغلون ويتحركون إلَّا في إطار الدور التخريبي والسلبي داخل هذه الأمة!.

ومن الواضح أنهم هم من يعطون فاعلية للكثير من مؤامرات الأعداء، الكثير من مؤامرات الأعداء لا يمكن أن تنجح بدون أن يكون لها من يتحرك لإنجاحها من داخل هذه الأمة، فننظر هذه النظرة الصحيحة التي تقوم على أساسٍ من التقييم والفرز الصحيح: من لا يحترم مبادئ هذه الأمة، ومقدسات هذه الأمة، ونبي هذه الأمة، وقرآن هذه الأمة؛ فهو لن يحترم أبناء هذه الأمة، لن يكون لهم عنده أي قيمة، لن يكون للإنسان المسلم، للإنسان العربي المسلم ولا غير العربي من أبناء الإسلام أي قيمة لديه، سيعادي أبناء هذه الأمة من أجل اليهود الصهاينة، وسينفذ كل المؤامرات التي يتودد من خلالها إلى الصهاينة اليهود وإلى أمريكا، سينفذ أي مؤامرات تستهدف هذه الأمة مهما كانت، ومهما كانت نتائجها في واقع هذه الأمة، لن يبالي، وهو في الوقت الذي يوالي أولئك وهم يسيئون إلى رسول الله يواليهم ويبيع مقدسات هذه الأمة ويستهتر بها، يواليهم ويستهتر بالقرآن الكريم، ويستهتر بهذه الأمة، لن يكون لأحدٍ من أبناء هذه الأمة أي قيمة عنده، فهم إذاً خطر على هذه الأمة، ولن يتحاشوا من الوقوف في صف أعداء الأمة في أي مسألة، في أي موضوع، في أي مخطط أو مؤامرة تستهدف أبناء هذه الأمة، ولذلك يقول الله “سبحانه وتعالى” عن المنافقين: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}[المنافقون: من الآية4]، ولذلك يقول الله “سبحانه وتعالى” عمَّن يوالي أعداء الأمة: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: من الآية51]، يتحول في صفهم إلى هذه الدرجة: وكأنه منهم، مع أنهم لا ينظرون إليه هم على أنه منهم بالفعل فيما يعطونه من القدر أو الكرامة أو الاحترام، {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران: من الآية119]، سينظرون إليه نظرةً مختلفة.

في هذا السياق يأتي الموقف السعودي والإماراتي وموقف آل خليفة فيما يسمى بالتطبيع، وهو عبارة عن الولاء لأعداء الإسلام، والارتباط معهم على المستوى العلني، كان في الماضي على المستوى السري، ولكن لأن مسار انحرافهم وتحريفهم ومسار عمالتهم هو مسار تصاعدي، خرج من المستوى السري إلى المستوى العلني، ومن تحت الطاولة إلى ما فوق الطاولة، وهم بالقدر نفسه لهم مسار عدائي تصاعدي ضد أبناء هذه الأمة، ضد هذه الشعوب، ولذلك بقدر ما يزدادون ولاءً، وبقدر ما يظهرون ولائهم لأمريكا وإسرائيل وللصهاينة اليهود؛ بقدر ما يبرز عداؤهم أكثر وأكثر لأبناء هذه الأمة، بقدر ما يكونون أكثر سلبيةً، وأكثر عداءً، وأكثر عملاً لاستهداف أبناء هذه الأمة، وهذا شيءٌ واضح، نجدهم أتوا بعبارة ومفردة: (السلام)؛ ليجعلوا منها عنواناً لهذا الولاء العلني لإسرائيل وأمريكا، وأين هم من السلام مع أبناء أمتهم؟ أليسوا هم الآن من يتحركون لتنفيذ مؤامرات أمريكا وإسرائيل في داخل هذه الأمة، فيأتون بالحروب هنا وهناك، ويشنون الحرب على هذا البلد، ويهندسون لحربٍ أخرى في بلدٍ آخر… وهكذا؟ أليسوا هم الآن مصدر الحروب، والاختلالات الأمنية، والأزمات الاقتصادية، والأزمات السياسية، والمشاكل الاجتماعية، ويسعون لإثارة الفرقة والنزاع بين أبناء الأمة تحت كل العناوين، بما فيها العناوين الطائفية؟ هم من ينفذون المؤامرات في كل هذه المسارات: في الحروب، والاختلالات الأمنية، والأزمات الاقتصادية، لصالح أمريكا ولصالح إسرائيل؛ لأنهم وصلوا في عمالتهم إلى مستوى غريب وغير مألوف في واقع العمالة والخيانة، العادة المشهورة والمعروفة على المستوى التاريخي وفي الواقع البشري: أنَّ العميل يشتغل ويقدِّم له الطرف الذي هو يعمل لصالحه يقدِّم له هو التمويل المالي، أو يقدِّم له المكافآت المالية؛ أما هؤلاء العملاء المتمثلون بالنظام السعودي والإماراتي وآل خليفة، فهم عملاء يقدِّمون المال هم، يقدِّمون لأمريكا حتى تربح في إطار مخططاتها التي يعملون على تنفيذها لاستهداف أبناء هذه الأمة.

كان من الغريب لكثيرٍ من أبناء هذه الشعوب أن يظهر أولئك العملاء تنكرهم للشعب الفلسطيني إلى المستوى الذي برزوا عليه مؤخراً، وما حدث أيضاً في الجامعة العربية- التي تسمى مجازاً بالجامعة العربية- مؤخراً في الموقف من التطبيع والعلاقة مع إسرائيل، والولاء لإسرائيل، كان صادماً للبعض، ولكنه بالنسبة لنا غير مفاجئ، وكان متوقعاً، ولا نزال نتوقع أكثر مما قد ظهر لحد الآن، القوم هم يتجهون إلى أن يكونوا جبهةً واحدةً واضحةً صريحةً في المنطقة، هذا واضح، وليس مجرد علاقة شكلية، وكما قلنا في كلمةٍ سابقة: هم يركِّزون على التبرير لهذه العلاقة، لهذا الارتباط، لهذا الولاء، ويدخل تحت هذا التبرير الكثير من الأنشطة والأعمال التضليلية، على مستوى الفتاوى الدينية الباطلة، والتي فيها افتراء على الله “سبحانه وتعالى”، وعلى كتابه، وعلى رسوله، وعلى القرآن الكريم، لنرى كم يمثله هذا الانحراف من خطر كبير، ومن سوء كبير، يدخل فيه أشياء خطيرة جداً وكثيرة جداً، على المستوى الإعلامي، على المستوى السياسي، كم يقدِّمون وكم يفعلون في سياق التبرير لإعلان هذا الولاء، وهذا الارتباط، وهذه العلاقة.

ثم أيضاً على مستوى الترويج، هم لا يكتفون بذلك، لا يكتفون بأن يكونوا انحرفوا هم هذا الانحراف، ودخلوا في حالة من التبعية العمياء المعلنة والكاملة لأعداء الأمة، والارتباط بهم في صفهم وفي جبهتهم لاستهداف هذه الأمة؛ إنما يتجهون أيضاً للترويج لحالة التطبيع والولاء والارتباط المعلن بأعداء الأمة، بأعداء الإسلام، بأعداء النبي والقرآن، يتجهون للترويج والاستقطاب، والدفع لبقية أبناء الأمة بأن يحذوا حذوهم، وأن يقفوا معهم في جبهتهم مع إسرائيل، ثم يتجهون أيضاً بعدائيةٍ أكبر وأوضح لأبناء هذه الأمة الذين يثبتون على المبادئ، على الاستقلال، على الكرامة، على العزة، على الحرية بمفاهيمها الصحيحة، الذين لا يتجهون بمثل اتجاههم في التبعية والعمالة والخيانة لصالح أعداء الأمة، يعادونهم أكثر، ويتحركون ضدهم أكثر، ويقدِّمون الأموال الهائلة في هذا السياق.

ولذلك نحن نقول: أنَّ هناك فارق إلى حدٍ ما بين ما حصل سابقاً من مصر والأردن في علاقتهم بإسرائيل، وبين ما حصل مؤخراً من هذه الأنظمة الخليجية المتمثلة بالنظام السعودي والإماراتي وآل خليفة، مع أنه كله مدان، كل علاقة بإسرائيل، وكل تطبيع مع إسرائيل مدان ومستنكر وجريمة وخيانة، لكن توقعوا من هؤلاء أن يكونوا منافسين في العمالة، وأن يتجهوا بغباء وبتصرفات غريبة جداً، من يتابع المواقف الإعلامية لعناصرهم الاستخباراتية الإعلامية، يجد لؤماً عجيباً، وخسة، ودناءة عجيبة جداً، كيف يتباهون بالود لإسرائيل، والعلاقة مع اليهود الصهاينة، والولاء لليهود الصهاينة، كيف يدفعون حتى بنسائهم للتودد إلى الصهاينة، تصرفات غريبة جداً ودنيئة ومنحطة للغاية، وسيقدِّمون أموالهم بسخاء لصالح الصهاينة الذين لا يرون فيهم إلَّا بقرةً حلوباً، ويرون فيهم أنهم أغبياء، تمكَّن أولئك اليهود الصهاينة، وتمكَّن الأمريكي والإسرائيلي من أن يغنموهم، وأن يجعلوا منهم غنيمةً لهم يتحركون لصالحهم فقط، وهم في حقيقة الأمر سيخسرون، هم سيخسرون، الأمريكي سيستفيد من غبائهم، من ضلالهم، من انحرافهم، والإسرائيلي كذلك، والإسرائيلي يعرف كيف يستفيد منهم، الأمريكي والإسرائيلي كلاهما يعرف كيف يحلب هذه البقرة أكثر فأكثر، وكيف يستغلها، وكيف يستغل أيضاً قرونها في الإضرار بهذه الأمة، فترفس وتنطح أبناء هذه الأمة، وتقدِّم ضرعها للعدو الصهيوني والأمريكي ليحلب، فحليبها لليهود الصهاينة والأمريكيين؛ أما الرفس وأما النطح فلأبناء هذه الأمة، هذا هو واقعهم الذي جعلوا أنفسهم فيه، موضعهم الذي وضعوا أنفسهم فيه، فمواقفهم وسياساتهم العدوانية، واتجاهاتهم التي سيتحركون فيها في كل المجالات: على المستوى الثقافي، والإعلامي، والسياسي، والفكري، والاقتصادي، والعسكري، والأمني، أصبحت قائمةً على أساس هذا الانحراف، الذي نعبِّر عنه بالتبعية العمياء لأعداء الأمة، والوقوف في صفهم، والانحياز إلى جبهتهم ضد أبناء هذه الأمة، وهذا شيءٌ بالنسبة لهم يمثِّل خسارةً كبيرة، وأمراً خطيراً عليهم.

لكن المسؤولية على أبناء هذه الأمة أن يكونوا على درجةٍ عاليةٍ من الوعي، وأن يفهموا الأمور فهماً صحيحاً؛ حتى لا يخضعوا لهذه الاستقطابات، ولا يتأثروا بهذا الترويج للتطبيع والتبعية لأعداء الأمة، وأن يدركوا أنَّ هؤلاء مهما كان تضليلهم، ومهما كانت العناوين التي يقدمونها، والتبريرات والترويج الذي يشتغلون من خلاله لتضليل هذه الأمة، فهم لا يحترمون هذه الأمة، لا يريدون الخير لشعوب هذه الأمة، لا يريدون الخير لا لشعب اليمن، ولا لشعب العراق، ولا للشعوب في منطقة الخليج، ولا يريدون خيراً للشعوب في المغرب الإسلامي، وفي مصر، وفي الشام… في كل أقطار هذا العالم الإسلامي، لا يريدون الخير لأحد، أولوياتهم باتت هي تنفيذ مؤامرات أعداء هذه الأمة، أولوياتهم، اهتماماتهم، مؤامراتهم، مخططاتهم، كلها تصب في مصلحة أمريكا وإسرائيل، وقد جنَّدوا أنفسهم لمصلحة أمريكا وإسرائيل.

يجب أن تحمل شعوبنا هذه النظرة الصحيحة إليهم؛ حتى تحذرهم، إنَّ القرآن عندما أخبرنا عن المنافقين، وعن ولائهم لأعداء الأمة، وعن تبعيتهم لأعداء الإسلام والمسلمين؛ هو لنحذر منهم، {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}، احذرهم، لا تتأثر بهم، لا يستقطبوك، لا تقف إلى صفهم، لا تتعاون معهم، لا تشتغل معهم لا إعلامياً، ولا سياسياً… ولا في أي مجال من المجالات، واحذر من مؤامراتهم؛ لكي تتصدى لها، من واجبك في انتمائك الديني، في انتمائك لهذه الأمة أن تتصدى لمؤامراتهم التي هي ذات طابع استهدافي وعدائي لهذه الأمة.

اليوم هم سيتآمرون على الشعب الفلسطيني بكل وضوح، وباتوا كذلك، وبدأوا ذلك؛ أما عدوانهم على شعب اليمن فهو في هذا السياق، ومنذ اليوم الأول عندما بدأ العدوان قلنا: أنَّ هذا العدوان يأتي من هؤلاء وهم مجرد أدوات تنفذ لأمريكا وإسرائيل مؤامراتها، هذا هو عدوانٌ لمصلحة أمريكا وإسرائيل يستهدف الشعب اليمني، هؤلاء لا يمتلكون أي أجندة تخصهم، ولا مشاريع تخصهم، مشاريعهم هي ضمن المشاريع الأمريكية، أجندتهم هي ضمن الأجندة الأمريكية، هم ينفذون مؤامرات أمريكية وإسرائيلية في المنطقة، وكان واضحاً ارتباطهم بما سمي بصفقة القرن، صفقة ترامب الجائرة والباطلة، كان واضح مدى علاقتهم بهذه الصفقة، ولهذا يأتي دورهم السلبي والتخريبي في المنطقة ككل، وفي عدوانهم الذي هو الآن في العام السادس على شعبنا اليمني المسلم العزيز، الآن توضحت الأمور وتجلت أكثر فأكثر.

كان البعض لا يستوعبون عندما كنا نتحدث في بداية هذا العدوان ونقول لهم: هؤلاء يتآمرون على اليمن، هؤلاء لهم أهداف ظالمة وسيئة وتخريبية وعدوانية في اليمن، هم يريدون احتلال اليمن، والسيطرة على الشعب اليمني، وهم يريدون من وراء ذلك أن يمكِّنوا الأمريكي والإسرائيلي ليأتي من خلفهم فيسيطر على هذا البلد، وهم مجرد أدوات، هم يتحملون الحمل الثقيل، ويدفعون الكلفة الباهظة في سبيل أن يمكِّنوا الأمريكي وأن يمكِّنوا الإسرائيلي لاحتلال هذا البلد، والسيطرة على هذا البلد، ثم هكذا لهم نفس الدور التخريبي في بقية شعوب وبلدان هذه المنطقة.

ونلاحظ هذا: عندما تمكَّنوا من السيطرة على المحافظات الجنوبية، بدأ الأمريكي يتواجد من خلفهم، وأصبح له قاعدة في مطار الريان في حضرموت، وأصبح يتواجد في شرورة، وأصبح يتواجد إلى حدٍ ما في عدن، ثم الإسرائيلي بدأ يحضِّر لمثل هذا الحضور، لمثل هذا التواجد من خلفهم، وبحمايتهم، وبنفقاتهم، وبجهودهم هم، هذا ما يعملون له في منطقتنا بشكلٍ عام، ويشتغلون سلباً على كل المستويات.

الدور السلبي الحاضر في لبنان على المستوى السياسي والاقتصادي هم ضالعون فيه إلى حدٍ كبير، لو تركوا الشعب اللبناني وحاله؛ لاستطاع الشعب اللبناني أن يتغلَّب على أزماته الاقتصادية ومشاكله السياسية، لكنهم يتدخلون سلباً بكل وضوح، وتبعاً للدور الأمريكي والدور الإسرائيلي، هذا واضح منذ زمان، وهكذا باتوا مكشوفين وواضحين أمام أبناء هذه الأمة، وبقيت المسؤولية على أبناء هذه الأمة أن يقفوا الموقف الصحيح، الموقف المسؤول، الموقف الذي يفرضه عليهم انتماؤهم للإسلام، وتفرضه عليهم مبادئهم وقيمهم وأخلاقهم، الموقف الذي فيه حريتهم، وكرامتهم، واستقلالهم، والحفاظ على حقوقهم.

عندما نخلص لمبادئنا الدينية التي تجعل منا أحراراً، وتكفل لنا الحياة الكريمة، وتربينا على العزة، فنحن نستفيد لمصلحتنا، نحن نسعى لتحقيق ما هو مصلحةٌ حقيقيةٌ لنا، عندما نبقى متمسِّكين بمقدساتنا: بالقرآن، بالرسول، بالمقدسات الإسلامية والمعالم الإسلامية، فهذا يجعل منا أمةً تحظى برعاية الله، بتأييد الله “سبحانه وتعالى”، وأمةً لها قضية، أمةً لها مبادئ تصونها، وتقيم تحفظها وتحافظ عليها، لا يصل الإنسان إلى درجة أن يجعل من نفسه عبداً لعدوه- كما فعلوا هم لصالح الأمريكي والإسرائيلي- إلَّا في الوقت الذي كان قد تنكَّر فيه لتلك المبادئ ولتلك القيم، وخان فيه ذلك الانتماء: الانتماء لهذا الإسلام ولرسوله ولقرآنه، وكذلك لمبادئه ولمقدساته.

من يسترخص هذا الدين في مقدساته، وفي رموزه، وفي مبادئه، هو يسترخص نفسه، ويسترخص أمته، وسيكون حاضراً للخيانة، وحاضراً للجريمة، وحاضراً لفعل أي شيء، ومخذولاً من قبل الله “سبحانه وتعالى”، فلا يتوفق، ولا يهتدي للسير في الاتجاه الصحيح، ولا لتبني المواقف الصحيحة.

اليوم نحن في هذا العدوان قد مرَّ بنا ألفا يوم منذ بداية هذا العدوان على شعبنا اليمني المسلم العزيز، وهذه محطة مهمة جداً، إذا جئنا لتقييم كل هذه المرحلة الزمنية التي مرت بنا، نجد الكثير من الحقائق التي باتت اليوم واضحة وبشكلٍ كبير، واعترف بها حتى الخونة من أبناء هذا البلد، فبات الدور السعودي والإماراتي ودور آل خليفة- الذين يقومون بدورٍ كبير في هذا العدوان على بلدنا- واضحاً أنه في هذا السياق العام: في سياق تنفيذهم للأجندة الأمريكية والإسرائيلية، وارتباطهم بأمريكا وإسرائيل، وتنفيذهم للمؤامرات الأمريكية والإسرائيلية، وباتت المسألة حرباً لاحتلال بلدنا، والسيطرة على شعبنا، ونهب مقدراتنا، وتمكين الإسرائيلي والأمريكي من السيطرة على هذا البلد، وبات واضحاً أنَّ الخيار والقرار الصحيح الذي اتخذه أحرار هذا البلد في التصدي لهذا العدوان، في الثبات على الموقف الحق، في التمسك بالحق المكفول لهذا الشعب في حريته واستقلاله، أنه الخيار الصحيح، الصائب بكل الاعتبارات والمقاييس، على المستوى: المبدئي، والإسلامي، والأخلاقي، والإنساني، والوطني، هذا هو الموقف الصحيح الذي نفتخر فيه بكل جهدٍ نبذله، بكل عملٍ نقدِّمه، والذي نقدِّس فيه كل التضحيات التي قدمناها في هذا السبيل؛ لأنَّا قدمناها في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، لأنَّا آثرنا أن يكون خيارنا وقرارنا وموقفنا بالمعيار الإيماني، بالموقف الذي يريده الله منا، بالموقف الذي ننسجم فيه مع القرآن ومع الرسول، مع المبادئ الإلهية، مع التعليمات التي هي تعليمات صحيحة لهذا الإسلام. وانكشف واقع الآخرين، من كان خيارهم وقرارهم أن يقفوا في صف العدوان، أوليسوا يعترفون أنَّ الحالة اليوم هي حالة احتلال، وأنَّ أولئك قد التحقوا بكل وضوح وبشكلٍ معلن بركب الصهيونية واليهود؟ باتت الأمور جلية.

ونقول لأولئك الذين كان خيارهم وقرارهم أن ينضموا في صف العدوان: انظروا في نهاية المطاف كل ما قدمتموه معهم، قدمتموه لتنفيذ مؤامراتهم، في نهاية المطاف هو لخدمة الأمريكي، لخدمة الإسرائيلي، هذه هي الحقيقة.

ونحن معنيون اليوم بعد كلما قد مضى، وبعد أن رأينا ثمرة وقيمة وأهمية هذا الموقف الصحيح، وهذا الاتجاه الصحيح في التصدي لهذا العدوان: أن نواصل مشوارنا في التصدي لهذا العدوان؛ لأنَّا في الموقف العظيم، في الموقف الصحيح، الذي كلما أخلصنا فيه أكثر، وبذلنا فيه أكثر، وعملنا فيه أكثر؛ فنحن نكسب بذلك الفضل والشرف والقربة إلى الله “سبحانه وتعالى”، والفوز في الدنيا والآخرة، ونحن نسعى لما فيه الخير الواضح لنا كشعبٍ يمني ولأمتنا في تحقيق الحرية والكرامة والاستقلال، نحن في الاتجاه الصحيح، في الاتجاه المشرِّف، نقف فيه رافعي الرؤوس بكل اعتزاز وبكل فخر. أما الآخرون فهم في مقام خزي، في موقف خزي، في حالة فظيعة وسيئة جداً ومخزية.

يمكننا أن نتحدث- إن شاء الله- عما يتعلق بالعدوان، وبمناسبة مرور ألفي يوم منذ بداية العدوان، وما يتعلق بالوضع الداخلي للبلد أكثر فأكثر في كلمة في القريب العاجل إن شاء الله، في الذكرى السنوية للحادي والعشرين من سبتمبر الثورة الشعبية المجيدة، ويمكن- إن شاء الله- أن نتحدث على نحوٍ أوسع حول بعض المواضيع ذات العلاقة بالواقع الإقليمي والمحلي.

يهمنا أن نؤكِّد في الأخير أنَّ مواقفنا يجب أن تكون مبدئية، يجب أن تنسجم مع القرآن، يجب أن يكون معيارها إيماني، ويجب أن نتحلى بالوعي والبصيرة، إنَّ الإمام الشهيد زيد “عليه السلام” عندما تحرَّك كان عنوانه الذي نادى به في واقع الأمة: (عباد الله: البصيرة البصيرة)، يجب أن نتحلى بالوعي، ويجب أن نتحلى بالمسؤولية، ويجب أن نعي طبيعة ما يجري في عصرنا وزمننا، وأننا أمام اختبار إلهي، وأنَّ الموقف الصحيح: هو الذي هو صحيحٌ بكل الاعتبارات: باعتبار القيم والأخلاق والمبادئ التي ننتمي إليها، وباعتبار المصلحة الحقيقية لأبناء أمتنا، وأنَّ علينا كأمةٍ واحدة أن نقف صفاً واحداً، كل أحرار هذه الأمة، كلما يحدث في أي بلدٍ أو قطرٍ من أقطار وبلدان هذه الأمة، هو يعني الأمة بكلها، في فلسطين وفي غير فلسطين، نحن أمةٌ واحدة، يجب أن نقف الموقف الواحد الحق، وأن تكون الثوابت عندنا ثوابت، لا نتزحزح عنها.

من الجيد أن تتضح الأمور أكثر فأكثر، وأن تتجلى الحقائق أكثر فأكثر؛ لأن أولئك كانوا يقرُّون ببعضٍ من الثوابت، ثم تنكَّروا لها بكل وضوح، لم تعد القضية الفلسطينية من الثوابت عندهم، كانوا يعترفون بها في العلن، ولو أنهم كانوا يناقضون ذلك في السر، الآن تجلت الحقائق أكثر فأكثر.

أسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يثبتنا على الحق في خط الهداية الممتد إلى رسول الله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وأن يجعلنا متمسِّكين بالقرآن الكريم، متمسِّكين بمبادئنا وقيمنا، ومخلصين لها، وأن يوفِّقنا ويعيننا على تحمل المسؤولية في التصدي لأشرار وأعداء هذه الأمة، وأن يوفِّقنا لما يرضيه عنا، إنه سميع الدعاء، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com