القرآن الكريم

البرنامج اليومي (الموت هو بداية الرجوع الى الله).

برنامج رجال الله.

السيد حسين بدر الدين الحوثي.

معرفة الله وعده ووعيده الدرس الثاني عشر صـ 8 ـ 10.

الله الذي بدأ خلق الإنسان من طين يقول هو فيما بعد: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}(السجدة: من الآية10) إذا متنا وأصبحنا ترابا وضعنا في الأرض وتلاشينا أإنا لفي خلق جديد؟ بعيد أن نبعث من جديد.. كيف يمكن؟ ألم يقل لك: ألم تعلم أنت أن الله بدأ خلقك من طين وأنه خلقك وخلق أولادك.. أليس الإنسان يعلم أن أولاده مخلوقون من ماء مهين؟.. هو يعلم.. {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ}(السجدة:10).

المسألة ليست مسألة غامضة، أو أن الأدلة عليها ليست كافية، فيكون هذا التساؤل وجيها نوعا ما، إنه جحود إنه كفر إنه كلام الذي لا يريد أن يصدق بالقضية، لا يريد أن يؤمن بها، هو رافض لها، لا يريد لا أن يقبل الإيمان بها، وإلا فهي واضحة جدا، أدلتها فوق الكفاية، أدلتها تدمغ، تدمغ كل مدارك الإنسان ومشاعره ووجدانه.

الذي {بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} ألا يستطيع أن يعيد خلقه من جديد؟ بلى.. يستطيع أن يعيده من جديد. {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ}أليس قولهم: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أليس كفرا؟ لأنه استبعاد هنا، ليس استفهام، ليس سؤالاً.. هل نحن سنبعث من جديد؟ هذا سؤال يمكن أن يجيب عليه، يجيب عليه القرآن يجيب عليه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ممكن أن يجيب عليه، لكنهم تلفظوا به بشكل استغراب واستنكار واستبعاد.. {أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}!!.. بعيد لا يمكن.

أي: أنهم لا يريدون أن يؤمنوا لا أن القضية هذه لا براهين عليها كافية لا أدلة عليها دامغة، هذه حالة تحصل عند الناس في ذلك الزمان بما يتعلق بالبعث، وتحصل عند كثير منا نحن المسلمون في قضايا متعددة.

مثلا.. [كيف يأمرنا الله باتباعهم وهم ناس مثلنا.. ما هو الفرق بيننا وبينهم]؟.. أليس هكذا يقال؟ استفهام على هذا النحو؟. بل أنت في واقعك لا تريد أن تؤمن بالقضية لا أن الأدلة عليها ليست كافية. بل أنت لا تريد أن تؤمن بهذه القضية، أنت رافض لها {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} أنت بالإيمان بهذه القضية لا تريد أن تقبله، لا تريد أن يتسرب إلى أعماق نفسك، وهذه هي من الحالات الخطيرة عند الإنسان، الحالات الخطيرة أن يحدد موقفا مسبقا لديه، يجعله معاندا متمردا، يدفع كل شيء مهما كانت أدلته واضحة وقوية وجلية.

هذه توجهنا نحن إلى أن يكون الإنسان في واقعه منفتحاً على هداية الله، ومسلما نفسه لله أن يتقبل منه، وسترى كل شيء أمامك، سترى أدلته كافية وفوق الكافية، في كل شأن من شؤون الدين، في كل شأن من شؤون الدين.. متى ما آمنت بهذه. لكن إذا اتخذت هذا الموقف المسبق كما اتخذه هؤلاء {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} فهم يصرحون برفضهم لكن بأسلوب آخر، بأسلوب الاستبعاد وكأن القضية لا دليل عليها، هو نفس الأسلوب الذي يقوله شخص.. [كيف يأمرنا الله باتباع أشخاص مثلنا نراهم مثلنا، ما بيننا نحن وإياهم فرق].. أليس هكذا تحصل عبارة كيف. نفس الاستفهام. أنا رافض لا أريد أن أؤمن بهذه القضية ولا أرغب أن أتقبلها، فأقدم رفضي لها بصيغة استبعاد بالشكل الذي يوحي بأنه لا دليل عليها.

أدلة البعث أليست كثيرة جدا؟! كثيرة جداً جداً في القرآن الكريم منها هذه: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ}(السجدة: من الآية7- 9) أليست هذه أدلة على أن من خلق هذه قادر على بعث عباده يوم القيامة؟ إنها لكافية.

لكن انظر ماذا قالوا في مقابل تلك الأدلة الدامغة لما كان واقعهم أنهم كافرون من الأساس. أي رافضون لا يريدون أن يؤمنوا بها {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} هكذا يقول الإنسان الكافر في نفسه، الرافض في نفسه أمام أي قضية من القضايا مهما كانت جلية، مهما كانت واضحة. هكذا يقول لكنه لا ينفعه هذا القول، أنظر ماذا قال بعد؟ مما يؤكد لنا ما قلناه أنهم عندما قالوا: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} إنهم يستبعدون ذلك لكن ليس استبعاد من لا يعرف الأدلة أو استبعاد قضية باعتبار أنه لا أدلة عليها، إنما استبعاد من هو جاحد ورافض في نفسه.

{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ}(السجدة: من الآية11) قل لهؤلاء: هناك بعث لا بد منه، وبعث هذه تفاصيله أمامكم وهذه بدايته، أنتم حتى هذا الموت الذي ترونه يوميا لبعضكم بعض ليس شيئا تلقائياً أو شأناً يأتي مصادفة من شؤون الحياة، إنه هو قضية موكلة إلى طرف آخر من عبادنا {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ}(السجدة: من الآية11) لتعرفوا أنكم ستبعثون رغما عنكم، أن بداية الرجوع إلى الله ستكون من متى؟ من الموت، الموت هو بداية الرجوع إلى الله، فقل لهم: إنهم سيساقون إلى الله رغماً عنهم، وأنه من أول حادثة ومن أول خطوة يساقون بها إلى الله هي خطوة نحن نتبناها، ملك موكل من عندنا يتوفاكم؛ لتعرفوا بأن جحودكم هذا لا يمكن أن يغني عنكم شيئا.

وهكذا الحق الذي تحاول أن تتهرب منه تهربك منه لا يعفيك عن المسؤولية أمامه، تهربك منه لا يعفيك عن آثاره، لا يعفيك عن آثار تهربك منه كعاصي ترتكب جريمة في تهربك منه. عندما أرفض هل أرى نفسي بأنني أبعدت هذه القضية وكل آثارها عنّي؟ لا. إن البعث حق، ولا بد منه وإذا كنتم هكذا تقولون بسخرية واستبعاد، وإذا كنتم في الواقع إنما تنطلقون من واقع الكفر في أنفسكم فإنها قضية لا بد أن تقع، لا بد أن تحدث عليكم أنتم شخصيا، وهكذا هي مقدماتها من الموت {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (السجدة:11) الموت هو الخطوة الأولى في الرجوع إلى الله في العالم الآخر.

والموت نحن نجده هنا في القرآن الكريم وبمناسبة ذكره هنا ليس من الوسائل التي يأتي التخويف بها للناس، ليس من وسائل التخويف إطلاقا داخل القرآن الكريم؛ ولهذا لا تجد الحديث عن الموت إلا خاطفا وبسرعة ينتقل إلى اليوم الآخر؛ لأنه اليوم الشديد الأهوال، هو ما يجب أن تخافه، هو ما يكون الحديث عنه هو الذي يصنع الخوف في النفوس، هو الذي يملأ القلوب خوفا ورعبا، أما الموت نفسه إنما هو الخطوة الأولى، وهو قضية عادية، قضية عادية، هو بداية الرجوع إلى الله.

ليس هو في حد ذاته ما يجب أن يخيف باعتباره حدثا، ليكن خوفك هو من الرجوع إلى الله إلى اليوم الآخر، في اليوم الآخر يوم القيامة. ألم يأت الكلام عن اليوم الآخر في القرآن مكرر جدا؟.. بعض السور تكون من أولها إلى آخرها عن التخويف باليوم الآخر، هل ورد تخويف بالموت داخل القرآن الكريم؟. لم يرد.

ليعرف أولئك الذين يتحدثون مع الناس ويرشدون الناس أنهم كم يغلطون، كم يرتكبون من خطأ جسيم عندما يتحدثون مع الناس عن تخويفهم بالموت نفسه، ثم يذكرون لهم أهوال القبر وعذاب القبر وكلاما في النعش وكلاما طويلا, طويلا عريضا كله يحول الموت إلى شبح مخيف. أن هذا أسلوب يترك أثرا سيئا جداً جداً يتخالف مع منهجية القرآن، ويخالف ما يريد القرآن منا.

إنه الذي يربي هذه الأمة تربية جهادية، الذي يربيك لتكون مجاهدا، هل ينطلق ليخوفك من الموت نفسه، وهو يريد منك أن تستبسل وأن تبذل نفسك في سبيل الله!.. لا يمكن هذا حتى ولا لقائد عسكري أن يعمله.

القائد العسكري وهو يعمل على رفع معنويات الجنود في ميدان المواجهة هل يأتي ليتحدث معهم عن القبر والنعش والأهوال، وهذه الأشياء الكثيرة؟ أم أنه يحدثهم حديثا يجعلهم يستهينون بقضية الموت، يجعلهم يتقافزون، وتستخدم حتى الحركات، وتستخدم حتى نغمات موسيقية معينة، وتستخدم حتى صرخات معينة، وأناشيد لها ألفاظها المعينة كلها تدفع بالإنسان إلى الاستبسال.

لكن تعال جمع كتيبة تريد أن يجاهدوا ثم اقرأ عليهم من كتاب [تصفية القلوب] أو من أي كتاب آخر من كتب الترغيب والترهيب عن النعش والموت وسكرات الموت والقبر ثم انظر هل سيتحرك أحد منهم؟ ستبرد أعصابهم ستجَمِّد نفوسهم.

الإنسان إذا تربى على الخوف من الموت وقيل له: إن الموت كذا وكذا، وعلى النعش كذا وكذا، والقبر مليء كذا وكذا إلى آخره يخاف مهما كان متركعاً مهما كان متعبدا ينشد إلى الحياة ويخاف أن يواجه، أن يدخل في مواجهة لا يريد أن يموت؛ لأنه أصبح خائفا من شبح الموت.

التربية القرآنية هي التربية التي أخرجت ذلك الرجل الذي كان يقول: ((والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)) لكنه كان وهو يتذكر اليوم الآخر، كان يتخشب جسمه خوفا من الله، وخوفاًَ من اليوم الآخر، وهكذا حكى عنهم في قضية إنفاقهم وإطعامهم اليتيم والمسكين والأسير. {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً}(الإنسان:10) ما قال موت ولا ما موت، الموت لا وجود له في القرآن الكريم إلا كحديث عن قضية هي أول خطوة إلى العالم الآخر، والقبر إنما هو غرفة كأي غرفة في بيتك.

يقال: جنة ونار وباب إلى الجنة وطاقة إلى النار.. الجنة والنار لم تخلق بعد، الجنة والنار لم تخلق بعد كما قال الإمام الهادي نفسه أن الجنة لم تخلق بعد، منهجية مغلوطة تتحدث بها مع أمة وكمنهج.

قد يكون هذا أسلوباً فيما إذا استحسنه شخص معين أمام شخص معين أو مجموعة معينة وبشكل استثنائي مؤقت لا يصلح أن يكون منهجا، لا يصح أبداً أن يكون منهجاً، مع أن الكثير من التفاصيل التي يقولونها حول الموت، وحول النعش، وحول القبر. غير صحيحة. غير صحيحة من أساسها.

عندما آتي أنا وكمرشد وبنظريتي القاصرة، ونظرتي القاصرة أريد أن أطلع ناس أراهم يبكون وأراهم خائفين ويتجهون إلى الطاعات ونوع من الطاعات المعينة، ويبتعدون عن المعاصي فأقول هؤلاء أولياء الله. تستطيع أن تنتج ناس من هذه النوعية لكنك لو تدري كم جنيت عليهم، قد تراهم [أطياب] وتراهم فعلا يبتعدون عن المعاصي وترى مظهرهم مظهر أولياء الله لكنهم من النوعية التي لا تقدم ولا تؤخر.

ذلك الرجل الذي كان ينطلق في الميدان ميدان الجهاد بكل قوة وبكل هدوء.. ولا خوف ولا ذرة من الخوف في نفسه، هو من كان يقول: ((والله لا أبالي أوقعت على الموت أو وقع الموت عليّ)) ((لأنا آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)).

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com