القرآن الكريم

القرآن الكريم هو مصدر التشريع ومصدر الهداية من الله سبحانه وتعالى.

برنامج رجال الله اليومي.

السيد حسين بدر الدين الحوثي

معرفة الله وعده ووعيده الدرس الثاني عشر صـ1ـ2.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمي. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.

سيكون درس اليوم حول آيات من كتاب الله الكريم من [سورة السجدة].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم {الم{1} تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ{2} أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ{3} اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ{4} يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ{5} ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{6} الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ{7} ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ{8} ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ{9} وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ{10} قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ{11} وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ{12} وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ{13} فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{14} إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ{15} تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{16} فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{17} أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ{18} أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{19} وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ{20} وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{21} وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ{22} }صدق الله العظيم

سيكون كلامنا من قول الله تعالى: {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}(السجدة: من الآية10) تقدم من أول السورة الحديث عن أن كتاب الله القرآن الكريم نزل من عند الله العزيز الحكيم، وذكر فيه أيضاً الاستنكار من أن ينسب إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) بأنه افترى هذا القرآن.

ومن يتأمل هذا القرآن سيعرف سواء كان من العرب المتقدمين أم من المتأخرين، سواء كان عربيا أم غير عربي، سيعرف أن هذا القرآن لا يمكن أن يفترى إطلاقا من عند أي طرف آخر، لا ملك من ملائكة الله ولا نبي من أنبيائه ولا أي مخلوق من مخلوقاته {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}(النساء: من الآية82)

القرآن كتاب حكيم بشكل يقطع المتأمل له أنه نزل من عند من يعلم السر في السموات والأرض، من عند الله، وأنه لا يمكن أبداً لا يمكن إطلاقا أن يكون هذا القرآن من عند غير الله، إنه الحق {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}(السجدة: من الآية3) هو الحق {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} (الإسراء: من الآية105) فلم يكن إنزال القرآن من عند الله مجرد ممارسة هواية أن له رغبة كأي رغبة عند أحدنا أن يؤلف كتاباً، ليضع اسمه على الصفحة الأولى وعلى غلاف الكتاب، تأليف فلان بن فلان.. هو الحق ونزل بالحق.. مقتضى الحكمة أن يكون هناك كتاب، ولا بد أن يكون هناك كتاب يتنزل من عند الله سبحانه وتعالى.

{بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}(السجدة: من الآية3) وإنزال هذا الكتاب أيضاً له مهمة كبرى، إنزاله للحق الذي نزل به، هو {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}(السجدة: من الآية3)، فهو كتاب لإنذار الناس، إنذارهم ليهتدوا. ثم تذكر هذه الآيات: أن الله سبحانه وتعالى هو {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}(السجدة: من الآية4).

بعد الحديث عن إنزال الكتاب الكريم، يأتي الحديث الذي يدل على ملك الله، أن له الملك له الأمر، هو الذي يدبر هو الذي خلق، خلق السموات والأرض وخلق الإنسان وهو الذي يدبر شؤون السماوات والأرض، وشؤون الإنسان.. فكيف لا ينزل لهذا الإنسان كتابا يهتدي به.

{بَلْ هُوَ الْحَقُّ} (السجدة: من الآية3) الذي خلق السماوات والأرض بالحق، وخلق الإنسان أيضاً بالحق، وتدبيره للسموات والأرض، لشؤون مخلوقاته جميعاً بالحق، هل يمكن أن يترك الإنسان في هذه الدنيا دون أن ينزل له كتاباً يهتدي به؟. {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}(السجدة: من الآية3).

تحدثنا في درس سابق حول قول الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}(السجدة: من الآية4)؛ فلا حاجة لإعادة الموضوع، فالشيء الملاحظ أنه هكذا أحياناً يأتي الحديث عن خلق الله وعن تدبيره لشؤون خلقه خلق السموات والأرض وما بينهما وتدبيره لشؤونهما، ثم ينتقل إلى الحديث عن التشريع والهداية، أو يأتي الحديث مسبقاً عن التشريع والهداية، أو عن القرآن الكريم كما هنا، وهو مصدر التشريع ومصدر الهداية من الله سبحانه وتعالى، ثم يتعقبه بالحديث عن تدبيره لشؤون خلقه كلهم, السموات والأرض وما بينهما، فهو الذي خلق، وهو الذي يدبر. إذا كان هو الذي خلق السماوات والأرض وهو الذي يدبر شؤونهما، هو الذي خلق الإنسان {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ}(السجدة: من الآية7)

هو أيضا الذي له الحق أن يدبر شؤون الإنسان، وشؤون الإنسان تختلف نوعا ما عن شؤون السماوات والأرض والمخلوقات الأخرى الجمادات.. تدبير شأن الإنسان يحتاج إلى هداية، يكون في جانب منه بشكل هداية، بشكل إنذار عن طريق كتب تنزل من عند الله سبحانه وتعالى وعن طريق رسله الذين بعثهم.

هذه الجبال وهذه الأشجار هل هي تحتاج إلى نبي أو إلى كتاب؟ الله هو خلقها، وهو يدبر شؤونها، هو أيضا خلقنا خلق الإنسان, وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، ألم يقل الله هكذا في آية أخرى؟.

فإذا كان خلق السماوات والأرض يستتبعه تدبير ممن خلقه، كذلك أنت أيها الإنسان الذي خلقك وبدأ خلقك من طين لا بد أن يدبر شؤونك وأنت تختلف عن الجبال عن الأشجار، عن المخلوقات الأخرى، تدبير شؤونك في جانب منه هو الجانب الأكبر يتمثل في: هداية من الله: إنذار، تشريع، توجيه، إرشاد, تعليم عن طريق كتب الله، وعن طريق رسله.

هكذا تأتي آيات القرآن الكريم مترابطة وموضوعها قد يكون للسورة الواحدة موضوعا واحدا تدور حوله تتمحور آياتها كلها حول ذلك الموضوع، ليس هكذا: آية جنب آية لا علاقة لهذه بهذه.

هو يريد أن يقول لنا – حسب ما نفهم وهو أعلم سبحانه وتعالى – : أنه كيف تنتظر أيها الإنسان أن يكون الواقع هكذا: أن الذي خلقك يهملك.. هل يمكن أن يهملك؟ هو خلقك والذي خلقك هو حكيم، هو رب العالمين، وأنت كبقية مخلوقاته، ألا ترى تدبيره لمختلف مخلوقاته ماثلاً أمامك، ألا نرى حركة الشمس والقمر والكواكب، ألا نرى حركة هذه المخلوقات بكلها، ألا نرى أن كل يوم هو في شأن، كل يوم هو في شأن، ذلك التدبير الواسع جداً للمخلوقات على هذا النحو: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (السجدة:5) {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}(الحج: من الآية47).

تدبير واسع جداً، وشؤون واسعة جداً جداً، في اليوم الواحد يدبر الله فيه من الأمور ما لا يستطيع الناس أن يدبروا مثله إلا في ألف سنة.. لماذا وأنت المخلوق المستخلف في هذا العالم؟ لماذا وأنت من خلقت على أحسن تقويم؟ لماذا وأنت من أنيطت بك مهام كبيرة وواسعة ومسؤوليات عظيمة جداً؟. تريد أن تنفر وحدك من بين كل المخلوقات الأخرى التي الله الذي خلقها ويدبر شؤونها إلا أنت وحدك وأنت المخلوق الأساسي وأنت المخلوق الرئيسي؟ وأنت العنصر المهم في هذا العالم؟ أتستنكر من الله أن يدبر شأنك؟! أتستغرب أن ينزل كتباً إليك وأن يبعث رسلاً إليك؟ لماذا؟!.

 

 

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com